هؤلاء المخاطبين قد أحرزوا مقام الاجتباء أوّلًا، و من ثمّ تقول: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ.
هل كلمة (أَبِيكُمْ) مجاز، أم حقيقة؟
و المقصود من الأب هنا هو الأب الحقيقي، و ليس هناك ما يبرّر لنا صرف كلمة «الأب» عن معناها الحقيقي، فما لم توجد هناك قرينة على المجاز، لا بدّ من حمل كلمة الأب على معناها الواقعي. و هذه قرينة اخرى على استبعاد أن يكون المراد في ضمير «كم» كافّة المسلمين و الالتزام بأن لفظة: أَبِيكُمْ مجاز. إذن الآية الكريمة تقول: إنّ هؤلاء هم أبناء إبراهيم الحقيقيّون- ملّة إبراهيم- و إبراهيم الأب الحقيقي لهؤلاء، و هذه خصوصيّة تطرحها الآية الكريمة، و تعيننا على التعرّف على هؤلاء الأفراد. هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَ فِي هذا الضمير «هُوَ» يعود على اللَّه، و «مِنْ قَبْلُ» يعني في الماضي، و «فِي هذا» يعني في القرآن، أي في الكتب السابقة و في القرآن أيضاً اللَّه سبحانه و تعالى هو الذي أطلق عليكم اسم المسلمين. و من ثمّ تخلص الآية إلى أخذ النتيجة من هذا القول، لتبيّن الهدف من جميع هذه الخصائص، و هو لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ. اللام هنا لام الغاية وَ تَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ أي على غير المسلمين من اليهود و النصارى، فهو المقصود هو أنّكم أيّها المسلمون تكونون شهداء على اليهود و النصارى، أم أنَّ المراد هم أنتم الصنف الخاص، الجماعة الخاصّة، و الامّة الخاصّة كونوا شهداء على الآخرين؟ و سنتطرق فيما بعد إلى معنى هذا القول. و ظاهر الكلام هو ما قلناه، فليس المقصود من الناس هم اليهود و النصارى، و أما ما يبدو بالنظرة البدوية من أنّ اللَّه سبحانه و تعالى هو الذي سماكم بالمسلمين،