تكليفيّاً لا يدخل ضمن اهتمامات المكلّف، و لا ربط له به حتّى لو كان الفعل ممّا لا يطاق، فما يتعلّق بالمكلّف هو التكليف، و هناك أشياء كثيرة في العالم تستدعي الحرج، فهل تريد الآية أن تربط هذه الأشياء بالمكلّف؟ إنّ الحرج المقصود إنّما هو بالتكليف، فلو قالوا: يجب عليك أن تتوضّأ بالماء البارد في فصل الشتاء فقد ضيّقوا عليك، و أمّا إذا لم يوجبوا الوضوء حينئذٍ لا يهمّك ما إذا كان الوضوء بالماء البارد فيه حرج أو ضيق. إذن لا بدّ أن نلتفت إلى هذه النقطة، و هي أنّ الوضوء بالماء البارد لا علاقة له بالمكلّف، لا من قريب، و لا من بعيد، إلّا بعد أن يكون تكليفاً، فمعنى الآية واضح و صريح، و هو: ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ جعل حرجي، و لا معنى لأن نقول:
الوضوء هو المجعول، و الفعل هو المجعول إلّا على سبيل المجاز و المسامحة. و الشيخ الأنصاري (قدس سره) في بيانه لقاعدة لا ضرر اختار هذا المعنى أيضاً، حيث اعتبر كلمة «ضرر» صفة للحكم و قال: إنّ «لا ضرر» يعني ما جعل في الإسلام حكم ضرري، و يتّضح هذا المعنى بشكل أكبر في الآية: وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ و من الناحية الأدبيّة أيضاً يفترض أن تكون العبارة «مِنْ حَرَجٍ» مكان المفعول المطلق و الذي يفيد النوع، أي ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ جعلًا حرجياً. محصّل القول: إنّ قاعدة لا حرج واضحة و صريحة في معناها، و هو أنّ اللَّه تبارك و تعالى امتناناً على الامّة الإسلامية و على الأمّة المرحومة لم يجعل لها حكماً حرجيّاً، و الأحكام التي جعلت للُامّة هي أحكام غير حرجيّة.
قاعدة لا حرج و الأدلّة المثبتة للأحكام
ثمّ ندخل في مباحث اخرى، في تحديد النسبة القائمة بين قاعدة لا حرج