النفس و تنفّرها من بعض الألفاظ، إنّما هو لتصوّرها معناه القبيح و حضوره في الذهن عند استماع اللّفظ أو تصوّره، فيتخيّل أنّ اللّفظ قبيح.
و يدلّ على ذلك عدم النفرة من الألفاظ الموضوعة لتلك المعاني القبيحة في لغةٍ اخرى؛ لعدم الاطّلاع على وضعها لها.
ثمَّ إنَّ الوضع إمّا بالتصريح من الواضع بقوله: «إنّي وضعت هذا اللّفظ لهذا المعنى»، أو بالكناية، كما إذا ولد له ولد، فقال: «أعطني عليّاً» مثلًا فإنّه كناية عن وضعه له و جعل اسمه كذا.
و أمّا كثرة الاستعمال حتّى صار حقيقةً فيه، فهو ليس من أقسام الوضع كي يقسّم إلى التعييني و التعيّني.
المبحث الثاني: في الواضع
فاعلم: أنّ الألفاظ وضعت متدرّجةً بمرور الدهور و الأعصار، فإنّ البشر كان يقتصر ابتداءً في عيشه بما يسدّ به الرمق، و يرفع الجوع، و بما يقضي حاجته من سائر أسباب المعيشة من الظروف و الألبسة و نحوهما، فوضعوا للمعاني المقصود إفهامها المحتاج إليها في معاشهم و حياتهم ألفاظاً خاصّةً معدودةً، و هكذا كلّما احتاجوا إلى إفهام معنىً من المعاني للغير وضعوا له لفظاً.
فأوضاع الألفاظ للمعاني إنّما وقعت تدريجاً بمرور الأيّام و الأعوام، لا أنّه وضعها شخص خاصّ معيّن دفعةً واحدة و في زمانٍ واحدٍ، كما تُوهّم ذلك [1] ليرد عليه: أنّه خارج عن الطاقة البشريّة؛ لعدم تناهي الألفاظ و المعاني، و فرّعوا عليه أنّ