ثمّ إنّ القضايا المبحوث عنها في العلوم، إمّا حقيقيّة كما في غالب العلوم كالفقه؛ إذ الموضوع في مسائله ليس خارجيّاً، و ليس المراد من قولهم فيه: «الخمرُ حرامٌ» هو الخمرُ الخارجي فقط، بل المرادُ كلّما وُجد خمر كان حراماً.
و إمّا خارجيّة، كما في مسائل علم التأريخ و الهيئة و الجغرافيا و نحوها؛ فإنّ البحث في الأوّل إنّما هو عن الموضوعات الخارجيّة المُعيّنة من الأنبياء و السلاطين و غيرهم، و في الثاني عن أحوال الأفلاك و النجوم و أوضاعها، و هي من الموجودات الخارجيّة، و ليس الموضوع في مسائله كلّيّاً، بل هو هذا الفلك و ذاك الكوكب و نحوهما، و في الثالث عن أحوال البلاد و القُرى الموجودة في الخارج.
و قد يكون الموضوع في علم شخصاً خارجيّاً واحداً حقيقيّاً، كعلم العرفان، فإنّ البحث فيه إنّما هو عن المبدأ البارئ تعالى شأنُه.
و في القسم الأوّل: قد يتّحد موضوع العلم مع موضوعات مسائله، كعلم الفلسفة الذي موضوعه الوجود، و موضوعات مسائله أيضاً الموجودات، و إنّما الفرق بينهما غالباً هو الفرق بين الطبيعي و أفراده.
و في القسم الثاني: أيضاً قد يتّحد موضوع العلم مع موضوع بعض مسائله، و قد يكون موضوع المسألة فيه من أجزاء موضوع العلم، كالشمس، و القمر، و نحوهما ممّا هو موضوع المسألة في علم الهيئة، و هما من أجزاء موضوع علم الهيئة، الذي هو مجموع الأفلاك و الأرض.
و في القسم الثالث: موضوعات المسائل هو موضوع ذلك العلم دائماً.
إذا عرفت هذا يظهر لك ما في كلام بعضهم: من أنّ الفرق بين موضوع كلّ علم و بين موضوعات مسائله، هو الفرق بين الطبيعي و أفراده [1] فإنّه بنحو الإطلاق ممنوع.
كما أنّ ما أفاده بعضهم: من أنّ موضوع كلّ علم هو ما يُبحث فيه عن عوارضه