(الامر الثانى) انه لا يذهب عليك انه ليس لهيئات المشتق منشئ للاشتقاق و اصل من ناحية الاخذ، خلافا لما ذهب اليه النحاة من كون الاصل فى المشتقات هو المصدر و انه مبدأ الانتزاع للصور المتعددة، بل التحقيق ان الهيئات كلها فى عرض واحد و عارض على المادة من غير ترجيح بعضها على بعض و المادة هى القدر المشترك بينها فكما ان هيئة الماضى عارض على المادة كذلك هيئة المصدر و هكذا اسم المصدر و ساير الصيغ المشتقة و حينئذ تكون المادة بمنزلة المشترك المعنوى فى جميع استعمالاتها.
نعم حيث يكون بين انحاء المشتقات تقدم و تاخر و ترتيب من حيث الطولية الملحوظة مع بالعناية يمكن القول باشتقاق بعضها من بعض.
و تقريبه انه قد عرفت من ان الحدث فى بعض اعتباراته لوحظ مجردا عن النسبة كاسم المصدر و فى بعضها لوحظ ناقصة كالمصدر، فيصح ان يقال انه يكون اسم المصدر اصلا للمصدر لكون مدلوله بعض مدلوله و ما هو المعتبر فى تصحيح الاشتقاق هو ان المشتق مشتملا على معنى المشتق منه مع زيادة عليه فيكون مدلوله جزء مدلول المشتق و من المعلوم ان الجزء مقدم على الكل طبعا و هذا معنى العناية التى اشرنا اليه قريبا، فاسم المصدر اصل للمصدر للعناية المذكورة و كذلك المصدر اصل للماضي و ساير الافعال فان معنى هيئة الماضى هو الحدث المنسوب الى الذات فى زمان الامس فتكون مشتملا على معنى المصدر مع زيادة عليه.
و اما اسم المشتق فلما ان انتزاع عنوان اسم المشتق من الذات لا يصح إلّا بعد وقوع الحدث منها، يكون الفعل الدال على الحدث مقدما على اسم المشتق و أصلا له.
هذا و لكنه قد عرفت بطلانه و انه لا اصل للهيئات الانفس المادة المجردة المعروضة عليها الهيئات عرضا لا طولا فلا يزيد هذه العناية المذكورة الا مجرد التكلف.