و القطع إنّما ينجّز التكليف إذا كان قطعاً طريقيّاً بالنسبة إليه، لأنّ منجّزيّته إنّما هي من أجل كاشفيّته، و هو إنّما يكشف عمّا يكون قطعاً طريقيّاً بالنسبة إليه. و أمّا التكليف الذي يكون القطع موضوعاً له و دخيلًا في أصل ثبوته فهو لا يتنجّز بذلك القطع، ففي المثال المتقدّم للقطع الموضوعيّ لا يكون القطع بالخمريّة منجّزاً للحرمة، لأنّه لا يكشف عنها، و إنّما يولّدها، بل الذي ينجّز الحرمة في هذا المثال القطع بحرمة مقطوع الخمريّة. و هكذا ينجّز كلّ قطع ما يكون كاشفاً عنه و طريقاً إليه من التكاليف، دون ما يكون موضوعاً و مولّداً له من الأحكام [1].
و قد يتّفق أن يكون قطع واحد طريقيّاً بالنسبة إلى تكليف و موضوعيّاً بالنسبة إلى تكليف آخر، كما إذا قال المولى: الخمر حرام، ثمّ قال: من قطع بحرمة الخمر فيحرم عليه بيعه، فإنّ القطع بحرمة الخمر قطع طريقيّ بالنسبة إلى حرمة الخمر، و قطع موضوعيّ بالنسبة إلى حرمة بيع الخمر.
جواز الإسناد إلى المولى:
و هناك جانب ثالث في القطع غير المنجّزيّة و المعذّريّة، و هو جواز إسناد الحكم المقطوع إلى المولى. و توضيح ذلك: أنّ المنجّزيّة و المعذّريّة ترتبطان بالجانب العملي، فيقال: إنّ القطع بالحرمة منجّز لها،
----------
[1] و هذا لا ينافي ما سبق من أنّ المنجّزيّة لا تنفكّ عن القطع بالتكليف، لأنّ ذلك إنّما يعني أنّ القطع متى ما تعلّق بتكليف شرعيّ كان منجّزاً لذلك التكليف، و هو قطع طريقيّ بالنسبة إليه. و أمّا التكليف المترتّب على القطع الموضوعيّ فهو غير داخل في متعلّق القطع حتّى يتنجّز به.