إحداهما: أنّ دليل الأصل و إن اخذ في موضوعه عدم العلم لكنّ العلم هنا لوحظ كمثال، و المقصود عدم الدليل الذي تقوم به الحجّة في إثبات الحكم الواقعيّ، سواء كان قطعاً أو أمارةً، وعليه فدليل حجّيّة الأمارة بجعله الحجّيّة و الدليليّة لها يكون نافياً لموضوع دليل الأصل حقيقةً و وارداً عليه، و الوارد يتقدّم على المورود.
و المحاولة الاخرى مبنيّة على التسليم بأنّ دليل الأصل ظاهر في نفسه في أخذ عدم العلم في موضوعه بما هو عدم العلم، لا بما هو عدم الحجّة، و هذا يعني أنّ دليل حجّيّة الأمارة ليس وارداً على دليل الأصل، لأنّه لا ينفي الشكّ، و لا يوجِد العلم حقيقةً، و لكن مع هذا تُقدَّم الأمارة على الأصل، و هذا التقديم من نتائج قيام الأمارة مقام القطع الموضوعيّ، حيث إنّ أدلّة الاصول اخذ في موضوعها الشكّ و عدم القطع، فالقطع بالنسبة إليها قطع موضوعيّ بمعنى أنّ عدمه دخيل في موضوعها، فإذا استُفيد من دليل الحجّيّة أنّ الأمارة تقوم مقام القطع الموضوعيّ فهذا يعني أنّه كما ينتفي الأصل بالقطع ينتفي بالأمارة أيضاً، و قيام الأمارة مقام القطع الموضوعيّ عبارة اخرى عن دعوى أنّ دليل حجّيّة الأمارة حاكم على دليل الأصل، لأنَّ لسانه إلغاء الشكّ و تنزيل الأمارة منزلة العلم، فهو بهذا يتصرّف في موضوع دليل الأصل ويحكم عليه، كما يحكم قولهم: (لا ربا بين الوالد و ولده) على دليل حرمة الربا.
هذا آخر ما أردنا تحريره في هذه الحلقة، و قد بدأنا بكتابتها في النجف الأشرف في اليوم الرابع عشر من جمادى الاولى (ه)، و فرغنا منها بحول الله و توفيقه في اليوم السابع من جمادى الثانية في نفس السنة، و الحمد لله بعدد علمه، و هو وليّ التوفيق.