و هذا الانبغاء إثباتاً و سلباً أمر تكوينيّ واقعيّ و ليس مجعولًا، و دور العقل بالنسبة إليه دور المدرِك، لا دور المنشئ و الحاكم، و يسمّى هذا الإدراك بالحكم العقليّ توسّعاً.
و قد ادّعى جماعة من الاصوليّين الملازمة بين حسن الفعل عقلًا و الأمر به شرعاً، و بين قبح الفعل عقلًا و النهي عنه شرعاً. و فصّل [1] بعض المدقّقين منهم بين نوعين من الحسن و القبح.
أحدهما: الحسن و القبح الواقعان في مرحلة متأخّرة عن حكم شرعيٍّ و المرتبطان بعالم امتثاله و عصيانه [2]، من قبيل حسن الوضوء باعتباره طاعةً لأمر شرعي، و قبح أكل لحم الأرنب بوصفه معصيةً لنهي شرعي.
و الآخر: الحسن و القبح الواقعان بصورة منفصلة عن الحكم الشرعي [3]، كحسن الصدق و الأمانة، و قبح الكذب و الخيانة، ففي النوع الأوّل يستحيل أن يكون الحسن و القبح مستلزماً للحكم الشرعيّ، و إلّا للزم التسلسل، لأنّ حسن الطاعة و قبح المعصية إذا استتبَعا أمراً و نهياً
[1] يقال: إنّ هذا التفصيل موروث من قبل المرزا الشيرازي الكبير (رحمه الله).
[2] و يعبّر عن ذلك بالحسن و القبح الواقعين في سلسلة معلولات الأحكام.
[3] و يعبّر عن ذلك بالحسن و القبح الواقعين في سلسلة علل الأحكام.