إذا جعل الحكم على نحو القضيّة الحقيقيّة و اخذ في موضوعه العلم بذلك الحكم اختصّ بالعالم به، و لم يثبت للشاكّ أو القاطع بالعدم، لأنّ العلم يصبح قيداً للحكم، غير أنّ أخذ العلم قيداً كذلك قد يقال: إنّه مستحيل، و برهن على استحالته بالدور، و ذلك لأنّ ثبوت الحكم المجعول متوقّف على وجود قيوده، و العلم بالحكم متوقّف على الحكم توقّف كلّ علم على معلومه [1]، فإذا كان العلم بالحكم من قيود نفس الحكم لزم توقّف كلّ منهما [2] على الآخر، و هو محال.
و قد اجيب على ذلك بمنع التوقّف الثاني [3]، لأنّ العلم بشيء لا يتوقّف على وجود ذلك الشيء، و إلّا لكان كلّ علم مصيباً، و إنّما يتوقّف على الصورة الذهنيّة له في افق نفس العالم، أي أنّ العلم يتوقّف على المعلوم بالذات، لا على المعلوم بالعرض، فلا دور.
إلّا أنّ هذا الجواب لا يزعزع الاستحالة العقليّة، لأنّ العقل قاض بأنّ العلم وظيفته تجاه معلومه مجرّد الكشف و دوره دور المرآة، و لا
[1] و ذلك بدعوى أنّ العلم يعرض دائما على معلومه، و العرض متقوّم بالمعروض و متوقّف عليه.