أحدهما: أنّ المولى يستحيل أن يُدينَ المكلّف بسبب فعل أو ترك غير صادر منه بالاختيار، و هذا واضح، لأنّ العقل يحكم بقبح هذه الإدانة، لأنّ حقّ الطاعة لا يمتد إلى ما هو خارج عن الاختيار.
و المعنى الآخر: أنّ المولى يستحيل أن يصدر منه تكليف بغير المقدور في عالم التشريع، و لو لم يرتّب عليه إدانةً و مؤاخذةً للمكلّف، فليست الإدانة وحدها مشروطةً بالقدرة، بل التكليف ذاته مشروط بها أيضاً.
و توضيح الحال في ذلك: أنّ مقام الثبوت للحكم يشتمل كما تقدّم على ملاك و إرادة و اعتبار، و من الواضح أنّه ليس من الضروريّ أن يكون الملاك مشروطاً بالقدرة، كما أنّ بالإمكان تعلّق إرادة المولى بأمر غير مقدور، لأنّنا لا نريد بالإرادة إلّا الحبّ الناشئ من ذلك الملاك، و هو مهما كان شديداً يمكن افتراض تعلّقه بالمستحيل ذاتاً فضلًا عن الممتنع بالغير [1]. و الاعتبار إذا لوحظ بما هو اعتبار يعقل أيضاً أن يتكفّل جعل الوجوب على غير المقدور، لأنّ الاعتبار سهل المئونة، و ليس لغواً في هذه الحالة، إذ قد يراد به مجرّد الكشف بالصياغة التشريعيّة التي اعتادها العقلاء عن الملاك و المبادئ، و لكن إذا لوحظ
[1] و هو ما يمتنع تحقّقه دون استحالة ذاتيّة، كالقيام بالنسبة إلى المريض الذي يعجز عنه.