و حكم الشارع بحجّيّة الظهور يمكن الاستدلال عليه بالسيرة بأحد النحوين التاليين:
النحو الأوّل: أن نتمسّك بالسيرة العقلائيّة بمعنى استقرار بناء العقلاء على اتّخاذ الظهور وسيلةً كافيةً لمعرفة مقاصد المتكلّم، و ترتيب ما يرى لها من آثار بحسب الأغراض التكوينيّة أو التشريعيّة [1]، و هذه السيرة بحكم استحكامها تشكّل دافعاً عقلائيّاً عامّاً للعمل بالظهور في الشرعيّات لو ترك المتشرّعة إلى ميولهم العقلائيّة، و في حالة من هذا القبيل يكون عدم الردع و السكوت كاشفاً عن الإمضاء.
و قد تقدّم في بحث دلالات الدليل الشرعيّ غير اللفظيّ استعراض عدد من الأوجه لتفسير دلالة السكوت على الإمضاء [2]، و يلاحظ هنا أنّ واحداً من تلك الأوجه لا يمكن تطبيقه في المقام، و هو تفسير الدلالة على أساس الظهور الحاليّ، لأنّ الكلام هنا في حجّيّة الظهور فلا يكفي في إثباتها ظهور حال المعصوم في الإمضاء.
[1] ففي مجال الأغراض التكوينيّة يعتمد التّاجر مثلًا على ظهور كلام أهل الخبرة في تعيين الأسعار، و يعتمد الصّديق على ظهور كلام صديقه في تعيين المواعيد ... إلى غير ذلك. و في مجال الأغراض التشريعيّة القائمة بين العقلاء يحتجّ المولى العقلائي على رعاياه بالظهور الدالّ على الإلزام، و يحتجّ الرعايا على المولى العقلائي بالظهور الدالّ على الترخيص.
[2] و هي الدلالة: على الأساس العقلي بملاحظة كون المعصوم مكلّفاً بالنهي عن المنكر و تعليم الجاهل، و على الأساس العقلي أيضاً بملاحظة كون المعصوم شارعاً و هادفاً فلا ينقض غرضه، و على الأساس الاستظهاري بملاحظة أنّ ظاهر حال الإمام عند سكوته يقتضي الرضا و القبول.