اسم الکتاب : تحفة الأزهار و زلال الأنهار في نسب أبناء الأئمة الأطهار المؤلف : الحسيني المدني، ضامن بن شدقم الجزء : 2 صفحة : 128
الأهوال في الخلوات، كنت لاجسادهم محلا، و لجثثهم موطنا و مخبأ، فلا تلمني يا صاح اذا بذلت روحي لهم بذلا، و أندب الاطلال الدوارس من غير مهل، و ايقظ عينا ساهدة، و نواظر فاترة، قد كان ساكنها سمّاري، في خلوي طول ليلي و نهاري، طالعة بنورهم شموسي مضيئة اقمارى، افتخر بهم على اقراني و امثالي، فكيف لا تنهد لفقدهم اركاني، فتلاطمت علي امواج المصاب فعمت احزاني، و طال بي البعد و الفراق و تقطعت السبل، و عدمت يوم التلاق، و للّه در القائل حيث يقول:
وقفت على دار النبي محمد* * * فالفيتها قد اقفرت عرصاتها
و أمست خلاء من تلاوة قاريء* * * و عطل منها صومها و صلاتها
و كانت ملاذا للأنام و جنة* * * من الخطب يغشى المعتفين صلاتها
فاقفرت من [1]السادات من آل هاشم* * * و لم يجتمع بعد الحسين شتاتها
فعيني لقتل السبط عبرى و لوعتي* * * على فقدهم ما تنقضي زفراتها
فيا كبدي كم تصبرين على الأذى* * * أما آن أن تفنى إذا حسراتها
قال: و لم يزل علي بن الحسين (عليه السّلام) يبكي اباه مدة اربعين سنة، بدمع مسفوح، و قلب مقروح، صائما نهاره، قائما ليله، فاذا أتي بطعامه للإفطار ذكر أباه و أهل بيته و أصحابه، ثم شهق مناديا وا أبتاه، قتل و اللّه ابن رسول اللّه جائعا عطشانا مظلوما، و انا آكل طيّبا، و اشرب باردا، ثم يبكي حتى يبل طعامه بدموعه فقيل له جعلت فداك إلى متى هذا الحزن و البكاء؟
فقال: يا قوم ان يعقوب بن اسحاق كان نبيا ابن نبي، و كان له اثنا عشر ابنا فغيب اللّه تعالى واحدا منهم و هو يوسف (عليه السّلام) فشاب رأسه من الحزن، و ذهب بصره من البكاء، هذا و ابنه حي موجود في دار الدنيا و لم يعلم انه مات، و أنا رأيت ابي و اخوتي و سبعة عشر صنوا من اهل بيتي غير شيعتنا، مقتولين مطروحين حولي صرعى في الفلاة مجدلين، قد غيرت الشمس محاسنهم، و اتلفت الأرض جسومهم و الرمال تسفي عليهم من كل جانب، افترون يذهب حزنهم من قلبي، او ذكرهم يخلو من لساني، او شخصهم يغيب عن عيني، لا و اللّه لا انساهم حتى اموت) [2].