(فالامة الصّينية الكبرى هي أشد الامم قياما على حفظ الانساب، حتّى أنهم يكتبون أسماء الآباء و الجدود في هياكلهم، فيعرف الواحد أنساب أصوله إلى الف سنة فاكثر.
و كذلك الافرنج كانت لهم عناية تامة بالانساب في القرون الوسطى و الاخيرة، و كانت لهم دوائر خاصة لاجل تقييدها و ضبطها، و وصل آخرها باولها) [2].
كما ضبط اليهود و النصارى انسابهم بعض الضّبط، حيث ان ابن الطّقطقي و هو من أعلام القرن السّابع الهجري يقول: (بلغني ان نصارى بغداد كان بايديهم كتاب مشجر محتو على بيوت النصارى و بطونهم)، فهذه الامم و ان اعتنت بانسابها بعض العناية، و اهتدت إلى ضبط مفاخرها نوعا من الهداية، فلم يبلغوا مبلغ العرب الذين كان هذا الفن غالبا عليهم [3].
و لما جاء الاسلام أكد على رعاية الانساب و حفظها، و حث على صلة الارحام، و بنى على ذلك كثيرا من أحكامه، ليهتم المسلم بحفظها في حدود حاجاته الشّرعية، لا على اساس التفاخر و العصبية القبلية.
فقد قال اللّه تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ[4].
و المراد بذلك التعارف بين الناس، حتّى لا يعتزى أحد إلى غير آبائه، و لا ينتسب إلى سوى اجداده، و على ذلك تترتب احكام النكاح و الارث و العتق و الديات و الوقف و غيرها.
و قال الرسول الكريم (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): (تعلموا من انسابكم ما تصلون به ارحامكم، فان صلة الرحم محبة في الاهل، مثراة في المال، منسأة في الاثر) [5].
[5]. مسند أحمد بن حنبل 2: 374 رواه الطّبراني في الاوسط، و الحاكم في مستدركه في كتاب العلم بطريقة مختلفة، و رواه الترمذي في جامعه في كتاب البر و الصّلة باب ما جاء في تعليم النسب، و قال: هذا حديث غريب من هذا الوجه. و قوله:
منسأة في الاثر: أي الزيادة في العمر.
اسم الکتاب : تحفة الأزهار و زلال الأنهار في نسب أبناء الأئمة الأطهار المؤلف : الحسيني المدني، ضامن بن شدقم الجزء : 1 صفحة : 14