يَقُول: أَلَمْ تَعْلَمُوا، و قولُه: يَيْسِرُونَنِي، مَن أَيْسَارِ الجَزُور، أَيْ يَقْتَسِمُونَنِي، و يُرْوَى يَأْسِرُونَنِي، من الأَسْرِ، و زَهْدَم: اسمُ فَرَسِ بِشْرِ بن عَمْرٍو أَخِي عَوْفِ بن عَمْرٍو، و عَوْفٌ جَدُّ سُحَيْم بن وَثِيلٍ، قالَه أَبو محمّد الأَعْرَابِيّ، و يُرْوَى:
... «أَنّي ابنُ قاتِلِ زَهْدَمِ» .
و هو رَجُلٌ من عَبْسٍ، فعلَى هََذا يَصِحّ أَن يكونَ الشّعْرُ لِسُحَيْمٍ، و يُرْوَى هََذا البيتُ أَيضاً في قصيدَةٍ أُخْرَى علَى هََذا الرَّوِيِّ:
و صاحِبِ أَصْحَابِ الكَنِيفِ كأَنّمَا # سَقَاهُمْ بكَفَّيْهِ سِمَامَ الأَرَاقِمِ
و عَلَى هََذِه الرّوَايَةِ أَيْضاً يكونُ الشِّعْرُ له دُونَ وَلَدِه، لِعَدَمِ ذِكْرِ زَهْدَم في البَيْت.
و14- في حَدِيث أُمِّ مَعْبَدٍ الخُزَاعِيَّة، رضي اللََّه تعالَى عنها، في صِفَةِ النَّبِيِّ، صلّى اللََّه عليه و سلّم : «لا يَأْسٌ [1] مِنْ طُولٍ» .أَي قَامَتُه لا تُؤْيِسُ مِنْ طُولِهِ، لِأَنّه كانَ إِلى الطُّولِ أَقْرَبَ منه إِلى القِصَرِ، و اليَأْسُ : ضِدُّ الرَّجَاءِ، و هو في الحَدِيثِ اسمٌ نَكِرَةٌ مفتوحٌ بلا النّافِيةِ، و يُرْوَى: لا يَائِسٌ مِنْ طُولٍ ، هََكذا رَوَاه ابنُ الأَنْبَارِيّ في كِتَابِه، و قال: لا، مَيْؤُوسٌ منه، أَيْ مِنْ أَجْلِ طُولِه، أَي لا يَيْأَسُ مُطَاوِلُهُ مِنْهُ، لإِفْرَاطِ طُولِهِ ، فيائِسٌ هُنَا بمَعْنَى مَيْؤُوسٍ ، كماءٍ دافِقٍ، بمَعْنَى مَدْفُوقٍ.
و اليَأْسُ بنُ مُضَرَ بنِ نِزَارٍ أَخُو الْنَّاسِ، و اللاّمُ فيهِمَا كَهِيَ في الفَضْلِ و العَبّاسِ، و حَكَى السُّهَيْلِيّ عن ابنِ الأَنْبَاريّ أَنّه بكَسْرِ الهَمْزَةِ، و قد تَقَدَّم البَحْثُ فيه، يُقَال: أَوَّلُ مَنْ أَصابَهُ اليَأَسُ ، مُحَرَّكَةً، أَي السِّلُّ. و قال السُّهَيْلِيّ في الرّوْضِ: و يُقَال: إِنّمَا سُمِّيَ السِّلُّ داءَ يَأَسٍ ، أَو داءَ اليَأْسِ لأَنّ الْيَأْسَ بنَ مُضَرَ ماتَ مِنْه، و به فَسَّرَ ثَعْلَبٌ قولَ أَبي العَاصِيَةِ السُّلَمِيّ:
و أَيْأَسْتُه ، و آيَسْتُه ، الأَخِيرُ بالمَدّ: قَنَّطْتُه ، و المَصْدَرُ الإِيئاسُ، على مِثال الإِيعاسِ، قال رُؤْبَةُ:
كَأَنَّهُنّ دَارِسَات أَطْلاسْ # من صُحُفٍ أَو باليَاتُ أَطْرَاسْ
فِيهِنّ من عَهْدِ التَّهَجِّي أَنْقَاسْ # إِذْ في الغَوَانِي طَمَعٌ و إِيئاسْ
و قال طَرَفَة بنُ العَبْدِ:
و أَيْأَسَنِي من كُلِّ خَيْرٍ طَلَبْتُه # كأَنّا وضَعْنَاهُ إِلى رَمْسِ مُلْحَدِ
وَ قَرَأَ ابنُ عَبّاسٍ ، رَضِيَ اللََّه تَعَالَى عنهما: لا يِيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللََّه [2] على لُغَةِ من يَكْسِرُ أَوّلَ المُسْتَقْبَلِ إِلاَّ ما كانَ باليَاءِ ، و هي لُغَةُ تَمِيمٍ و هُذََيْلٍ و قَيْسٍ و أَسَدٍ، كذا ذَكَرَه اللِّحْيَانِيّ في نوادِرِه، عن الكِسَائِيّ، و قالَ سِيبَوَيْه: و إِنّمَا اسْتَثْنَوْا الياءَ، لأَنّ الكَسْرَ في الياءِ ثَقِيلٌ، و حكَى الفَرّاءُ أَنّ بَعْضَ بَنِي كَلْبٍ يَكْسِرُون الياء أَيْضاً، قال: و هي شاذَّةٌ، كما في بُغْيَة الآمَالِ لِأَبِي جَعْفَر اللَّبْلِيّ، و إِنّمَا كَسَرُوا في يِيْأَسُ و يِيْجَلُ لِتَقَوِّي إِحْدَى الياءَيْنِ بالأُخْرَى ، و سيأْتي البَحْثُ فيه في: وجل، إِن شاءَ اللََّه تَعَالَى.
بَقِيَ أَنّ الزَّمَخْشَرِيَّ لَمّا صَرّحَ في الأَسَاسِ أَنَّ يَئِسَ بمعْنَى عَلِمَ مَجَازٌ فإِنّه قال: يُقَال: قد يَئِسْتُ أَنّكَ رَجُلُ صِدْقٍ، بمعْنَى عَلِمْتُ، لأَنَّ مَع الطَّمَعِ القَلَقَ، و مع انْقِطَاعِه السُّكُونَ و الطُّمَأْنِينَةَ، و لِذََلك قِيلَ: « اليَأْسُ إِحْدَى الرّاحَتَيْنِ» .
يبس [يبس]:
يَبِسَ ، بالكَسْرِ، يَيْبَسُ ، بالفَتْحِ ، أَي من حَدِّ عَلِمَ، و يَابَسُ ، بقَلْبِ اليَاءِ أَلِفاً، و يَيْبِسُ ، كيَضْرِبُ ، أَي بالكَسْرِ فيهما، و هََذا شاذٌّ ، فهو كيَئِسَ يَيْئِسُ الَّذِي تَقَدَّم في الشُّذُوذِ، صَرَّحَ به الجَوْهَرِيّ و غيرهُ من أَئمّة الصَّرْفِ، يَبْساً ، بالفَتْح، و يُبْساً ، بالضّمّ، فهو يَابِسٌ ، و يَبِسٌ ، ككَتِفٍ، و يَبِيسٌ ، كأَمِيرٍ، و يَبْسٌ ، بفتحٍ فسُكُون: كانَ رَطْباً فجَفَّ، كاتَّبَسَ ، على افْتَعَل فأُدْغِمَ، قال ابنُ السَّرَّاج: هو مُطَاوِع يَبَّسْتُه فاتَّبَسَ ، و هو مُتَّبِسٌ .