اسم الکتاب : تاج العروس من جواهر القاموس المؤلف : المرتضى الزبيدي الجزء : 20 صفحة : 374
ليُعْلَم المُخاطَب مِن الغائِبِ، و لا مَوْضِعَ لها مِن الإعْرابِ، فهي كالكافِ في ذلكَ و أَرَأَيْتَكَ، و كالألفِ و النونِ التي في أَنْتَ، فتكونُ إيَّا الاسْم و ما بعْدَها للخطابِ، و قد صارَا كالشيءِ الواحِدِ لأنَّ الأسْماءَ المُبْهمَةَ و سائِرَ المَكْنِيَّات لا تُضَافُ لأنَّها مَعارِفُ.
و قال بعضُ النّحويِّين: إنَّ إيَّا مُضافٌ إلى ما بعَده، و استدلَّ على ذلكَ بقولِهم: إذا بَلَغَ الرَّجُلُ السِّتِّين فإيَّاهُ و إيَّا الشَّوابِّ، فأضافُوها إلى الشَّوابِّ و خَفَضُوها.
و قال ابنُ كَيْسان: الكافُ و الهاءُ و الياءُ و النونُ هي الأسْماءُ، و إيَّا عِمادٌ لها، لأنَّها لا تقومُ بأَنْفُسِها كالكافِ و الهاءِ و الياءِ في التَّأْخيرِ في يَضْرِبُكَ و يَضْرِبُه و يَضْرِبُني، فلمَّا قُدِّمَتِ الكافُ و الهاءُ و الياءُ عُمِدَتْ بإيَّا، فصارَ كُلّه كالشيءِ الواحِدِ، و لكَ أن تقولُ ضَرَبْتُ إيَّايَ لأنَّه يصح أن تقولَ ضَرَبْتُني و لا يجوزُ أن تقولَ ضَرَبْتُ إيَّاكَ ، لأنَّك إنّما تَحْتاجُ إلى إيَّاكَ إذا لم يمكنك اللّفْظ بالكافِ، فإذا وَصَلْت إلى الكافِ تَرَكْتها، و يجوزُ [1] أَنْ تقولَ ضَرَبْتُك إيَّاك لأنَّ الكافَ اعْتُمِدَ بها على الفِعْل، فإذا أَعَدْتَها احْتَجْتَ إلى إيَّا ؛ و أَمَّا قولُ الشاعرِ، و هو ذو الأصْبَع العَدْواني:
فإنَّه إنَّما فَصلَها مِن الفِعْلِ لأنَّ العَرَبَ. لا تُوقع فِعْلَ الفاعِلِ على نَفْسِه باتِّصالِ الكِنايَةِ، لا تقولُ قَتَلْتُني، إنَّما تقولُ قَتَلْتُ نَفْسِي، كما تقولُ ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ، و لم تَقُلْ ظَلَمْتُني، فأجْرى إيَّانا مُجْرَى أَنْفُسِنا، انتَهَى كَلامُ الجَوْهري.
قال ابنُ برِّي عنْدَ قولِ الجَوْهرِي: و لَكَ أن تقولَ ضَرَبْتُ إيَّاي إلى آخرِه؛ صَوابُه أنْ تقولَ ضَرَبْتُ إيَّايَ لأنَّه لا يجوزُ أنْ يقالَ ضَرَبْتُني. و تُبْدَلُ هَمْزَتُه هاءً كأَراقَ و هَرَاقَ تقولُ هِيَّاكَ، قال الجَوْهرِي؛ و أَنْشَدَ الأخْفَش:
فهِيَّاكَ و الأَمْرَ الذي إنْ تَوسَّعَتْ # مَورِادُ ضاقَتْ عَلَيْكَ مَصادِرُه [3]
و في المُحْكم: ضاقَتْ عَلَيْكَ المَصادِرُ، و البَيْتُ لمُضَرِّس.
و قال آخَرُ:
يا خالِ هَلاَّ قُلْتُ إذْ أَعْطَيْتَني # هِيَّاكَ هِيَّاكَ و حَنْواءَ العُنُقْ
و تُبْدَلُ تارَةً [4] واواً، تقولُ وِيَّاكَ . و قد اخْتَلَفَ النَّحويّون في إيَّاكَ ، فقالَ الخليلُ بنُ أَحمدَ: أَيًّا اسْمٌ مُضْمَرٌ مُضافٌ إلى الكافِ. و حُكَي عن المازِني مِثْل ذلكَ.
قال أبو عليٍّ: و حَكَى أَبو بكْرٍ عن أَبي العبَّاس عن أَبي الحَسَنِ الأَخْفَشِ أنَّه: اسْمٌ مُفْرَدٌ [5] مُضْمَرٌ يَتَغَيَّرُ آخرُه كما يَتَغَيَّرُ آخَرُ [6] المُضْمَراتِ لاخْتِلافِ أَعْدادِ المُضْمَرِينَ ، و أنَّ الكافَ في إيَّاكَ كالتي في ذَلِكَ في أنَّه دَلالةٌ على الخِطابِ فقط مُجَرَّدَةٌ مِن كوْنِها عَلامَةَ المُضْمَر.
و حَكَى سيبويه عن الخليلِ أنَّه قالَ: لو قالَ قائِلٌ إيَّاكَ نَفْسك لم أُعَنِّفْه لأنَّ هذه الكَلمةَ مَجْرورَةٌ. و قالَ بعضُهم:
إيَّا اسْمٌ مُبْهمٌ يُكْنَى به عن المَنْصوبِ، و جُعِلَت الكافُ و الهاءُ و الياءُ بيَاناً عن المَقْصودِ ليُعْلَم المُخاطَبُ مِن الغائِبِ، و لا مَوْضِع لها مِن الإعْرابِ و هذا بعَيْنِه مَذْهَبُ الأخْفَش.
قال الأزْهري: و قولهُ اسْمٌ مُبْهمٌ يُكْنى به عن المَنْصوبِ يدلُّ على أنَّه لا اشْتِقاقَ له.
و قال أَبو إسْحق: الكافُ في إيَّاكَ في مَوْضِعِ جرٍّ بإضافَةِ إيَّا إليها، إلاَّ أنَّه ظاهِرٌ يُضافُ إلى سائِرِ