اسم الکتاب : تاج العروس من جواهر القاموس المؤلف : المرتضى الزبيدي الجزء : 11 صفحة : 407
أَهْل العِلْمِ هُنَا أَبُو الفَتْحِ عُثْمَانُ بن جِنِّي. قلتُ: و نَصُّه:
«و قَد اسْتُعْمِلَ القُنُوع فِي الرِّضا» و أَنْشَدَ:
أَيَذْهَبُ مالُ اللََّه فِي غَيْرِ حَقِّه # و نَعْطَشُ في أَطْلالِكُمْ و نَجُوعُ
أَنَرْضَى بهََذَا مِنْكُمُ لَيْسَ غَيْرَه # و يُقْنِعُنا ما لَيْسَ فيهِ قُنُوعُ
و أَنْشَدَ أَيْضاً:
و قالُوا: قَدْ زُهِيتَ، فقُلْتُ: كَلاّ # و لََكِنّي أَعَزَّنِيَ القُنُوعُ
و قالَ ابن السِّكِّيتِ: و من العَرَبِ مَنْ يُجِيزُ القُنُوع بمَعْنَى القَنَاعَةِ ، و كَلام العَرَبِ الجَيِّدُ هُو الأَوّلُ [1] ، و يُرْوَى: «مِنَ الكُنُوع» و هو التَّقَبضُ و التَّصاغُر. و الفِعْلُ كمنع
6 *
.
و من دُعَائِهِم: نَسْأَلُ اللَّهَ القَنَاعَةَ ، و نَعُوذُ [2] بهِ من القُنُوعِ ، أَيْ من سُؤَالِ النّاسِ، أَو مِنَ الذُّلِّ لَهُمْ فيه، و 17- قالَ الأَصْمَعِيُّ : رَأَيْتُ أَعْرَابِيًّا يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: «اللَّهُمَ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ من القُنُوعِ و الخُنُوعِ و الخُضُوعِ، و ما يَغُضُّ طَرْفَ المَرْءِ، و يُغْرِي بهِ لِئامَ النّاسِ» .و فِي المَثَلِ: «خَيْرُ الغِنَى القُنُوعُ ، و شَرُّ الفَقْر الخُضُوعُ» فالقُنُوع هُنَا هُوَ الرِّضَا بالقِسْمِ، و أَوَّلُ مَنْ قالَ ذََلِكَ أَوْسُ بنُ حارِثَةَ لاِبْنِه [3] مالِكِ.
و رَجُلٌ قانِعٌ و قَنِيعٌ ، و في التَّنْزِيلِ العَزِيزِ وَ أَطْعِمُوا اَلْقََانِعَ وَ اَلْمُعْتَرَّ[4] فالقَانِعُ : الّذِي يَسْأَلُ، و المُعْتَرُّ: الُذِي يَتَعَرَّضُ و لا يَسْأَلُ، و قِيلَ: القانِعُ هُنَا: المُتَعَفِّفُ عن السُّؤَالِ، و كُلٌّ يَصْلُحُ، قالَ عَدِيُّ بنُ زَيْدِ:
و ما خُنْتُ ذَا عَهْد و أُبْتُ بِعَهْدِهِ # و لَمْ أَحْرِمِ المُضْطَرَّ إِذْ جاءَ قَانِعَا
أَي سائِلاً، و قالَ الفَرّاءُ: هُوَ الَّذِي يَسْأَلُكَ فما أَعْطَيْتَه قَبِلَهُ.
و القَنَاعَةُ : الرِّضا
7 *
بالقِسْمِ، كالقَنَعِ ، مُحَرَّكَةً، و القُنْعَانِ ، بالضَّمِ ، زادَهُمَا أَبو عُبَيْدَةَ، و الفِعْلُ كفَرِحَ ، يُقال: قَنِعَ بنَفْسِه قَنَعاً و قَنَاعَةً و قُنْعاناً ، الأَخِيرُ عَلَى غَيْرِ قِياسٍ، فهو قَنِعٌ ، مِثْلُ كَتِفٍ، و قانِعٌ ، و قَنُوعٌ ، و قَنِيعٌ من قَوْمٍ قَنِعِينَ، و قُنَّعٍ ، و قُنَعاءَ ، و امْرَأَةٌ قَنِيعٌ ، و قَنِيعَةٌ ، من نِسْوَةٍ قَنَائِعَ ، قالَ لَبِيدٌ:
فَمِنْهُمْ سَعِيدٌ آخِذٌ بنَصِيبِهِ # و مِنْهُمْ شَقِيٌّ بالمَعِيشَةِ قانِعُ
و 16- في الحَدِيثِ : « القَنَاعَةُ كَنْزٌ لا يَفْنَى» [5] . لاِنَّ الإِنْفاقَ مِنْهَا لا يَنْقَطِعُ كُلَّمَا تَعَذَّرَ عَلَيْه شَيْءٌ من أُمُورِ الدُّنْيَا قنِعَ بما دُونَه، و رَضيَ، و 16- في حَدِيثٍ آخَر : «عَزَّ مَنْ قَنِعَ ، و ذَلَّ مَنْ طَمِعَ» .
لأَنَّ القَانِعَ لا يُذِلُّه الطَّلَبُ، فلا يَزالُ عَزِيزًا، و نَقَلَ الجَوْهَرِيُّ عَن ابنِ جنِّي، قالَ: و يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ السّائِلُ سُمِّيَ قانِعاً لاِنَّهُ يَرْضَى بِما يُعْطَى قَلَّ أَو كَثُرَ، و يَقْبَلُه و لا يَرُدُّه، فيَكُونُ مَعْنَى الكَلِمَتَيْنِ راجِعاً إِلَى الرِّضَا.
و شاهِدٌ مُقْنَعٌ ، كمَقْعَد ، أَيْ عَدْلٌ يُقْنَعُ بهِ، و رَجُلٌ قُنْعَانٌ ، بالضَّمِ و امْرَأَةٌ قُنْعانٌ ، و يَسْتَوِي في الأَخِيرَةِ المُذَكَّرُ و المُؤَنَّثُ، و الواحِدُ و الجَمْعُ، أَي رِضاً
____________
8 *
يُقْنَعُ بهِ و بِرَأْيِه، أَو بحُكْمِه و قَضَائِه، أَوْ بَشهَادَتِهِ. و حَكَى ثَعْلَبٌ: رَجُلٌ قُنْعانٌ :
مَنْهَاةٌ؛ يُقْنَعُ برَأْيه، و يُنْتَهَى إِلى أَمْرِه.
قُلْتُ: و أَمّا مُقْنَعٌ ، فإِنّه يُثَنَّى و يُجْمَعُ، قالَ البَعِيثُ:
و بايَعْتُ لَيْلَى بالخَلاءِ و لَمْ يَكُنْ # شُهُودِي عَلَى لَيْلَى عُدُولٌ مَقَانِعُ
و في التَّهْذِيبِ: رِجَالٌ مَقَانِعُ ، و قُنْعَانٌ : إِذا كانُوا مَرْضِيِّينَ، و 16- في الحَدِيثِ : «كان المَقَانِعُ مِنْ أَصْحابِ مُحَمَّدِ صلّى اللََّه عليه و سلّم، يَقُولونُ كَذَا» . و قَالَ ابنُ الأَثِيرِ: و بَعْضُهُم لا يُثَنِّيهِ و لا يَجْمَعُه، لأَنَّه مَصْدَرٌ، و من ثَنَّى وَ جَمَعَ نَظَرَ إِلَى الاسْمِيَّةِ.
و قَنِعَت الإِبِلُ و الغَنَمُ كسَمِعَ: مالَتْ للمَرْتَع، و كَمَنعَ :
[1] يعني القنوع التذلل في المسألة، و جاء كلام ابن السكيت تفسيراً لقول الشماخ: