أحاطت الجماهير الحزينة بالجثمان المقدس و هي تتسابق على حمله للتبرك به. حفر له قبر في مقابر قريش، و انزله سليمان بن أبي جعفر في مقره الأخير هو مذهول مرعوب خائر القوى، و بعد فراغه من مراسيم الدفن، أقبلت إليه الناس تعزيه و تواسيه بالمصاب الأليم.
فهنيئا لك أيها القبر باستقبال هذا الضيف الطاهر هذا العالم المعلم، و هذا العبد الصالح الذي آثر طاعة اللّه على كل شيء في هذه الدنيا انصرف المشيعون و هم يعدّدون فضائل الإمام الشريفة و مناقبه السامية و يذكرون ما عاناه الكاظم غيظه من المحن و الخطوب و قيود السجن قالوا كلهم: إن فقد الإمام كان من أعظم النكبات التي مني بها العالم الإسلامي عامة و الشيعة خاصة في ذلك العصر.
و لا غرو في ذلك لقد فقد المسلمون علما من أعلام العقيدة الاسلامية و إماما معصوما من الأئمة المعصومين الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، و غصنا من دوحة النبوة.
هكذا عمت قلوب الطامعين بالملك فتحجرت قلوبهم و تصلبت أحاسيسهم فجاروا و ظلموا و بطشوا و ضيعوا موازين الحق و العدل. و الغريب العجيب أنهم نصبوا أنفسهم على الناس بحد السيف و سموا أنفسهم خلفاء اللّه على الأرض. لقد ضاعوا في دنيا الجاه و السلطان و غرقوا في لجج الأنانية و حب التسلط و قد تحمل الإمام الكاظم كل هذا الجور و الظلم و بقي صامدا أمام الظالمين لا يلين و لا يضعف أمام جورهم و ظلمهم.
[1] باب التبن: اسم محلة كبيرة كانت ببغداد تقع بإزاء قطيعة أم جعفر و فيها قبر أحمد بن حنبل و هي قريبة من مقابر قريش جاء ذلك في معجم البلدان ج 2، ص 14.