الفلانيّ قد كان و لم يعلم عدمه، و كلّ ما كان كذلك فهو مظنون البقاء». (1)

أقول: و هذا الحكم من العقل لا ينهض دليلا على الاستصحاب على ما سنشرحه، و الظاهر أنّ القدماء القائلين بحجّيّته لم يكن عندهم دليل عليه، غير هذا الدليل، كما يظهر جليّا من تعريف العضدي المتقدّم؛ إذ أخذ فيه نفس حكم العقل هذا، و لعلّه لأجل هذا أنكره من أنكره من قدماء أصحابنا؛ إذ لم يتنبّهوا إلى أدلّته الأخرى على ما يظهر، فإنّه أوّل من تمسّك ببناء العقلاء العلّامة الحلّيّ (قدّس سرّه) في النهاية، (2) و أوّل من تمسّك بالأخبار الشيخ عبد الصمد والد الشيخ البهائيّ (قدّس سرّهما)، (3) تبعه صاحب الذخيرة (4)، و شارح الدروس، (5)، و شاع بين من تأخّر عنهم، (6) كما حقّق ذلك الشيخ الأنصاريّ (قدّس سرّه) في رسائله في الأمر الأوّل من مقدّمات الاستصحاب، ثمّ قال: «نعم، ربما يظهر من الحلّيّ في السرائر الاعتماد على هذه الأخبار، حيث عبّر عن استصحاب نجاسة الماء المتغيّر بعد زوال تغيّره من قبل نفسه بعدم نقض اليقين إلّا باليقين. و هذه العبارة ظاهرة في أنّها مأخوذة من الأخبار». (7)

و على كلّ حال، فهذا الدليل العقليّ فيه مجال للمناقشة من وجهين:

الأوّل: في أصل الملازمة العقليّة المدّعاة. و يكفي في تكذيبها الوجدان؛ فإنّا نجد أنّ كثيرا ما يحصل العلم بالحالة السابقة، و لا يحصل الظنّ ببقائها عند الشكّ؛ لمجرّد ثبوتها سابقا.

الثاني: على تقدير تسليم هذه الملازمة، فإنّ أقصى ما يثبت بها حصول الظنّ بالبقاء، و هذا الظنّ لا يثبت به حكم الشرع إلّا بضميمة دليل آخر يدلّ على حجّيّة هذا الظنّ‌

[1]. هذا نقله عنه الشيخ الأنصاريّ في فرائد الأصول 2: 542. و راجع شرح مختصر الأصول 2: 453.

[2]. راجع كلامه المنقول في المقام في مفاتيح الأصول: 460.

[3]. العقد الطهماسبي (مخطوط): 28.

[4]. ذخيرة المعاد: 44 و 115- 116.

[5]. مشارق الشموس: 76 و 141- 142.

[6]. كالمحقّق البحرانيّ، و المحقّق القمّي، و صاحب الفصول. الحدائق الناضرة 1: 142- 143، الفصول الغرويّة: 370؛ قوانين الأصول 2: 55.

[7]. فرائد الأصول 2: 543، و راجع كلام الحلّي: السرائر 1: 62.