اسم الکتاب : أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام و الرواة عنه المؤلف : الأميني، محمد هادي الجزء : 1 صفحة : 8
فالجملة الأولى أوضحت رفعة منزلته (عليه السلام)، كأنّه في ذروة جبل، أو يفاع مشرف ينحدر السيل عنه إلى الوهاد، و الغيطان.
و الجملة الثانية تبيان لمنزلته (عليه السلام)، و هي أعظم و أعلى في الرّفعة و العلوّ من التي قبلها، لأنّ السيل ينحدر عن الرابية و الهضبة، و أما تعذر رقيّ الطير فربما يكون للقلال الشاهقة جدّا، بل ما هو أعلى من قلال الجبال، كأنّه يقول: إنّي لعلوّ منزلتي، و استطالة عبقريتي، كمن في السماء التي يستحيل أن يرقى الطير إليها، و تبلغ الفكرة البشرية كنهها، و تتوصّل إلى حقيقتها.
إنّ عدم استثمار النواة المغروسة في ذهني، و عجزها من التبلور في مراحل الغرس و التكامل، إن دلّ على شيء فإنما يدلّ بوضوح على افتقاري إلى الحيوية البيانية، و ضعف المناعة الفكرية عندي، و التي هي الدوامة و المحور الأساسي الذي تجعل الفكرة تتبلور و تختمر، و تنضج و تتكامل، لذلك قابلت الاقتراح بالرد، و ضيق الوقت بيد أنّ الإخوة ألحت و تمادت في اقتراحها، و أبدلته إلى طلب آخر جديد، و هو وضع بحث عن مدرسة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، و عن أصحابه، و رواته، و السائرين في ركابه، بصورة عامة، من الشيعة و غيرهم، فيستوعب حياتهم بالشكل المتداول، فأحلت الموضوع إلى القرآن الكريم، و تفاءلت به فكانت الآية الشريفة: فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا* وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ[1].
طويت المصحف الكريم، و رأيت الفكرة ترتسم في الذهن، و خطة الكتاب تأخذ محلها الكبير من الذاكرة، بحيث استوت ثم استوت، فبحول اللّه و قوته ...
حملت القلم، و غمسته في مداد بركة اللّه، و توفيقه، و وضعته على القرطاس فراح يسجل ركائز البحث، و يضع دعائم الموضوع، و يخط نقاط الفصول، فكان في جريه سلس القياد، سهل المأخذ، رغم المضائق و المفاوز التي انتابته بين حين و آخر، و لكن شاء اللّه سبحانه أن يبلغ الكتاب أجله، و يخرج للناس و يكون بين يدي القارئ النبيل.