responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المهدي حقيقة ... لاخرافة المؤلف : محمد بن اسماعيل    الجزء : 1  صفحة : 11

لقد عاد الحليم فى هذا الزمان حيران، يقلب وجهه فى السماء باحثا عن نجم يضى‌ء له الطريق، و يعيّن له الهدف، و يحدّد له الاتجاه، و قد تلبّد الجو بغيوم الأوهام التى أمطرت وابلها على الأرض المجدبة، فأنبتت لفيفا من الأقوام المتصارعة آراؤهم، المتدابرة قلوبهم، و قد جعل اللّه بأسهم بينهم.

لقد أرخى الليل سدوله بأنواع المصائب و الفتن ليميز اللّه الخبيث من الطيب، و نبغ فى هذا الزمان أقوام أعرضوا عن المحجة البيضاء، و زاغوا عنها، فهلكوا مع الهالكين، و راحوا يخوضون مع الخائضين، (فمنذ مطلع هذا القرن أو قبله وجدت فئة تدعو إلى ما يسمى بـ «التحرر الفكرىّ» ، و تتصدر ما يسمى «بحركة الإصلاح الدينى» [23] ، و تعمل لإحياء المفاهيم الإسلامية فى نفوس المسلمين، و لكنهم فى سبيل ذلك عمدوا إلى إنكار كثير من المغيّبات التى وردت بها النصوص الصريحة المتواترة، الأمر الذى لا يجعل ثبوتها محل جدال أو ريبة، و لا سند لهم فى هذا الإنكار سوى الجموح الفكرى و الغرور العقلى، و قد راجت بتأثيرهم تلك النزعة الفلسفية الاعتزالية التى تقوم على تحكيم العقل فى أخبار الكتاب و السنة، و عمّت فتنتها حتى تأثر بها بعض الأغرار ممن تستهويهم زخارف القول، و تغرهم لوامع الأسماء و الألقاب و المناصب، و من هنا لزم أن يوضع الحقّ فى نصابه تنبيها لأولئك الشاردين عن منهج الرشد أنّ تلك الأمور التى يمارون فيها ثابتة ثبوتا قطعيا بأدلة لا تقبل الجدل و لا المكابرة، و أنّ من يحاول ردّها أو يسوّغ الطعن فيها فهو مخاطر بدينه، و هو-فى الوقت نفسه-قد فتح


[23] ينبغى التحفظ من مثل هذه الإطلاقات لما قد تنطوى عليه من أفكار خبيثة، فالدين كما عرفه العلماء (وضع إلهى سائق لذوى العقول السليمة لما فيه صلاح دنياهم، و سعادة آخرتهم) ، و هذا التعريف مأخوذ من قوله تعالى: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ اَلْإِسْلاََمَ دِيناً، و حيث كان الأمر كذلك فلا يمكن لبشر أن يتناول الدين بإصلاح أو تهذيب، لأن ما وضّحه اللّه و أكمله، لا يتصور أن يتناول بإصلاح، إلا أن يقصد بذلك الإصلاح تجديد الدين بإحياء السنن و الشرائع و إماتة البدع و الحوادث، و الاجتهاد الصادر من أهله المحصلين لشروطه، و اللّه تعالى أعلم.

غ

اسم الکتاب : المهدي حقيقة ... لاخرافة المؤلف : محمد بن اسماعيل    الجزء : 1  صفحة : 11
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست