خواصّه، فلمّا أفضى الأمر إلى أبي محمّد كان يكلّم شيعته الخواصّ و غيرهم من وراء الستور إلاّ في الأوقات التي يركب فيها إلى دار السلطان، و إنّ ذلك إنّما كان منه و من أبيه قبله مقدّمة لغيبة صاحب الزمان لتألف الشيعة ذلك، و لا تنكر الغيبة، و تجري العادة بالاحتجاب و الاستتار [1] . انتهى.
نعم، قد اعتادت الشيعة على تشرّفهم بخدمة إمامهم متى ما أرادوا و لو سرّا من زمان أمير المؤمنين عليه السّلام إلى زمان العسكريّين أبي الحسن و أبي محمّد عليهما السّلام، و لو حرموا من هذه النعمة دفعة واحدة كان في مظانّ ورود الشكّ و الشبهة لهم، بل ربّما تزلزلت عقائد بعضهم، فأراد الإمامان بالخطّة التي اتخذها التي أشار إليها المسعودي أن يعتاد الشيعة قليلا قليلا و يألفوا غيبة الإمام.
اتّخذ كلّ من أبي الحسن و أبي محمّد عليهما السّلام هذه الخطّة لهذه الغاية الشريفة، و أيّد ذلك شدّة المراقبة عليهم من الملوك و الخلفاء المعاصرين لهم، و ذلك يوجب بالطبع قلّة ملاقاتهم و زيارتهم خوفا سيّما من شيعتهم المعروفين.
و أيّد ذلك أيضا شوكة الإمامين و جلالتهما الظاهريّة، و كثرة الخدم و الغلمان و ما كانا فيه من الأبّهة و العظمة الموجبة قهرا لقلّة زيارة عامّة الشيعة لهما، بل و الخواصّ إلاّ في أوقات خاصّة و أزمنة معيّنة.
إنّ سياسة العبّاسيّين مع الأئمّة الاثني عشر تغيّرت أخيرا عمّا قبل، و صارت سياستهم في تعظيمهم و تجليلهم، و هذه الخطّة قد سنّها المأمون.
الناظر في تواريخ أبي الحسن الرضا و أبي جعفر الجواد و أبي الحسن الهادي و أبي محمّد العسكري عليهم السّلام يرى خطّة الخلفاء معهم، و أنّهم يعدّون لهم أنواع الأبّهة و العظمة من حيث المسكن و الدار و الأثاث و الرياش و الجواري و الغلمان و أنواع المراكب و زينتها، لأغراض كانت الخلفاء تقصدها من هذه الخطّة، أهمّها كون هؤلاء الأئمّة بين أظهرهم و في جوارهم، فتكون المراقبة عليهم أشدّ سيّما في زمان أبي الحسن و أبي محمد.