فكلّما ازدادت كانت الصحّة أتمّ و العمر أطول، و ما نشاهده بالوجدان من اختلاف الصحّة و طول الأعمال و قصرها باختلاف كيفيّة المعيشة و المكان الذي يعيش فيه أعدل شاهد و أصدق حاكم على ما قلنا.
فلو فرض اجتماع موجبات الصحّة و أسباب حال الإنسان من كلّ وجه طال عمره إلى ما شاء اللّه، و أصول هذه الأسباب و الموجبات ثلاثة:
الأوّل: يكون الإنسان حيث كان مادّة صرفة في صلب أبيه و ساعة انتقاله إلى رحم أمّه و نموّه في بطنها و رضاعه في حجرها، فإنّ رعاية الوالدين لأسباب الصحّة في هذا الدور هو الحجر الأوّل لحفظ صحّة ولدهما، فكم من ولد و ابن غالته المنيّة في طفوليّته أو زمان شبابه، و ليس هناك سبب إلاّ مرض الأب أو الأمّ، أو عدم محافظتهما على أسباب حفظ الصحّة، و ترك مراعاتهما لموجباتها، فالجناية في أمثال المقام من الوالدين، و مسؤوليّة حرمان الولد من الحياة الطبيعيّة عليهما، و ليت الآباء و الأمّهات فرضوا على أنفسهم هذه الرعاية و أخرجوها عن المسؤوليّة.
الثاني: الهواء الذي يستنشقه، و الطعام الذي يأكله، و المائعات التي يشربها، و الألبسة التي يلبسها، و المحيط و المكان الذي يعيش فيه. فإنّ رعاية موجبات الصحّة و مقرّراتها في كلّ واحد من هذه الأمور الخمسة من حيث الكمّ و الكيف و العمر و السن و القوّة و الضعف و الزمان و المكان من أهمّ ما يدخل في موجبات صحّة الإنسان و طول عمره، فكم من إنسان اخترمته المنيّة و مات قبل أو انه الطبيعي، و فقد الحياة المحبوبة عند كلّ ذي حياة بالذات؛ لعدم مراعاة ما ذكرنا في أحد هذه الامور الخمسة؟و قد صرّح جماعة من الأطبّاء و الدكاترة بأنّ أكثر الذين يموتون ليس بالأجل الطبيعي، بل لعوارض خارجية نشأت من عدم رعاية مقرّرات حفظ الصحّة في أحد هذه الأمور، و قد نقل كلمات بعضهم حضرة الفاضل فريد و جدي أفندي في «دائرة المعارف» .
الثالث: العوارض الخارجيّة و الحوادث الكونيّة و الواردات القهريّة من الحرّ و البرد الخارجين عن المتعارف، أو من الآلام و الأسقام، أو من المصائب و المؤلمات، أو من الهموم و الغموم، أو من الأعمال و الحركات، فإنّ لها الأثر التامّ في حفظ صحّة