الشك في المراد و عدم جريانها عند الشك في الاستعمال. و نمهد مقدمتين.
الأولى: أن جريان الأصول العقلائية إنما هو بيد العقلاء و نحن يجب علينا في باب الظواهر أن نفعل ما يفعله العقلاء ففعلهم حجه علينا في هذا الباب و من هنا فإذا رأيناهم أجروا أصلا اجريناه نحن تبعا لهم. و إذا رأيناهم لم يجروا اصلا لم نجره نحن تبعا لهم.
المقدمة الثانية: أن أفعال العقلاء كلها مبنية على نكات عامة تحكم كل مبانيهم و قواعدهم و أصولهم ضرورة أنهم في أفعالهم العقلائية لا يتعبدون بشيء و من هنا نقول إذا أجروا اصلا او قاعدة في مورد ما. و لم يجروهما في مورد آخر لا بد ان يكون الإجراء في الأول لسبب و نكتة اقتضت الاجراء فيه كما لا بد أن يكون عدم الاجراء في الثاني لسبب و نكتة اقتضت عدم الاجراء فيه.
إذا عرفت هذين المقدمتين نقول أن الأصوليين قد رجعوا إلى العقلاء و سألوهم عن أجراء الأصول اللفظية فأجابهم العقلاء أنهم يجرون الأصول اللفظية عند الشك في المراد و لا يجرونها عند الشك في الاستعمال.
و هذا الجواب من العقلاء يكفينا و يشبعنا كما عرفت في المقدمة الأولى إذ عرفت فيها أن فعل العقلاء حجة علينا و يجب علينا اتباعهم و بهذا يكون اللازم علينا نحن أن نجري الأصول عند الشك في المراد و لا نجريها عند الشك في الاستعمال. و هذا هو غاية ما يقصد الأصولي إثباته.
لكن مع ذلك إذا لاحظنا المقدمة الثانية نعرف أنه لا بد من وجود سبب جعل العقلاء يجرون الأصول اللفظية عند الشك في المراد و لا يجرونها عند الشك في الاستعمال و معرفة هذا السبب امر غير ضروري للأصولي و لكن مع ذلك لا بأس بمعرفته فهو نافلة مستحبة عند الأصولي و نحن نذكر توضيحا إجماليا لهذا السبب و نمهد قبل ذلك مقدمة و هي أن الأصول و القواعد العقلائية على ثلاثة أقسام.
القسم الأول: و هو القواعد الكاشفة إلزاما فهي قواعد غير مبنية على