اسم الکتاب : المغازي المؤلف : الواقدي الجزء : 0 صفحة : 19
(1)
أصول السيرة النبوية و تطورها فى القرنين الأول و الثاني للهجرة:
مما لا شك فيه أن لفظة «السيرة» قد استعملت بمعنى سيرة النبي قبل ورودها عند ابن هشام فى روايته عن ابن إسحاق، و يتضح مما جاء فى كتاب الأغانى أن استعمال الكلمة بهذا المعنى الخاص كان معروفا فى زمن محمد بن شهاب الزهري، فقد أورد الأصفهانى النص الآتي: قال المدائني فى خبره- أى فى خبر خالد بن عبد اللّه القسري- و أخبرنى ابن شهاب قال: قال لى خالد بن عبد اللّه القسري:
اكتب لى النسب. فبدأت بنسب مضر و ما أتممته، فقال: اقطعه، قطعه اللّه مع أصولهم، و اكتب لى السيرة [1].
و مع ذلك فإن اللفظتين- سيرة، و مغازي- مستعملتان بمعنى واحد لا يفرق بينهما، فقد ذكر ابن كثير سيرة ابن إسحاق و قال: قال ابن إسحاق فى المغازي [2]. على أن كلا من اللفظتين مضلل بحيث إن موضوع اللفظة غير مقيد بسيرة النبي على الإطلاق فى الحالة الأولى و لمغازيه فى الحالة الثانية.
و الحقيقة أن التنوع الواسع فى المواضيع ظاهرة مهمة فى أدب السيرة و المغازي، و يمكن أن نلمس فيها النشأة الأولى فى تقدم و تطور علوم الحديث و التفسير و التاريخ.
من المعروف أن أشهر ما ألف فى السيرة هو كتابا ابن إسحاق و الواقدي، و لكنهما مع ذلك ليسا بأول من جمع الأخبار فى هذا الميدان العلمي.
و لا شك أن موضوع السيرة و منهج التأليف فيه ثابت و مقدر قبل أن يكتب ابن إسحاق سيرته المعروفة. و قد أخطأ لفى دلّا فيدا-LeviDellaVida - حين زعم أن سيرة ابن إسحاق تجربة ثورية فى الكتابة التاريخية [3].
و غنى عن القول أن أقوال النبي و أعماله كان لهما أهمية كبرى إبان حياته و أهمية أكبر بعد موته، و قد أوجبت هذه الأهمية العناية الشاملة بتدوين تفاصيل حياته و بجمع الأحاديث و الأخبار عنه. و لم يكن الدافع لهذه