لمّا كثر المؤمنون، و اشتدّ عليهم أذى المشركين أذن اللّه تعالى لهم فى الهجرة إلى أرض الحبشة، فهاجر إليها اثنا عشر رجلا، و أربع نسوة: عثمان بن عفان، و هو أول من خرج فارا بدينه، و مع زوجته رقية بنت رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) و أبو حذيفة بن عتبة، و زوجته سهلة بنت سهيل، و أبو سلمة بن عبد الأسد، و امرأته أم سلمة [1]، و الزبير ابن العوام، و مصعب بن عمير، و عبد الرحمن بن عوف، و عثمان من مظعون، و عامر ابن ربيعة، و امرأته ليلى بنت أبى حثمة، و أبو سبرة بن أبى رهم، و حاطب [2] بن عمرو العامريان، و سهيل بن وهب [3] و عبد اللّه بن مسعود، و كان مخرجهم فى شهر رجب من السنة الخامسة من النبوة [4].
و خرجت قريش فى آثارهم، فلم يدركوا منهم أحدا. و أقاموا بالحبشة فى أحسن جوار، فبلغهم أن أهل مكة [ص/ 17] أسلموا فرجعوا إلى مكة، حتى إذا كانوا دون مكة بساعة لقوا ركبا من كنانة، فسألوهم عن قريش، و عن حالهم، فذكروا ما هم عليه من الشر، فائتمر القوم فى الرجوع إلى أرض الحبشة [ثم] [5] قالوا: قد بلغنا مكة، ندخل فننظر ما فيه قريش، و يحدث عهدا من أراد بأهله، ثم يرجع. فدخلوا مكة، و لم يدخل أحد منهم إلا بجوار أو مستخفيا، إلا ابن مسعود فإنه مكث يسيرا ثم رجع إلى أرض الحبشة، و لم يدخل مكة، و كان قدومهم مكة فى شوال سنة خمس من النبوة، فلقوا من قريش تعنيفا شديدا و نالوهم بالأذى الشديد، و سطت بهم عشائرهم فأذن لهم
[1] هى أم سلمة هند بنت أبى أمية بن المغيرة المخزومى، أم المؤمنين. انظر شذرات الذهب لابن العماد الحنبلى 1/ 62، 63.
[3] سماه الطبرى فى تاريخه 2/ 328 و ما بعدها: سهيل بن بيضاء.
[4] انظر الهجرة إلى الحبشة فى السيرة النبوية لابن هشام 1/ 344، و السيرة النبوية لابن إسحاق 1/ 244- 246، و الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 136 و تاريخ الطبرى 2/ 328 و ما بعدها، و جوامع السيرة لابن حزم ص 55، و إمتاع الأسماع للمقريزى ص 20.