يصف القاضى ابن جماعة أحداث السيرة النبوية بأمانة مطلقة، رغم بعض الاختلاف فى الروايات تجاه بعض الأحداث، و لكنه بعد عرضها يقوم ببيان الصحيح منها، و ما عليه الإجماع، و ما جزم به أحد علماء السيرة النبوية مثل ما ذكره فى بيان نسب رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) عند ما وصل هذا النسب إلى" معد بن عدنان" قال: إلى هنا إجماع الأمة" [1]، و كذلك عند ما ذكر خبر وفاة والد النبي (صلى اللّه عليه و سلم) عند أخوال النبي (صلى اللّه عليه و سلم) و هم بنو عدى بن النجار قال: هذا هو المشهور [2].
و عن حدث ميلاد النبي (صلى اللّه عليه و سلم) يذكر العديد من الأقوال، و فى نهايتها يقول:
و الصحيح الأول [3]، و كذلك الاختلاف حول وفاة أم النبي (صلى اللّه عليه و سلم) و عن عمر النبي (صلى اللّه عليه و سلم) أثناء وفاتها، و بعد عرض الاختلاف حول عمر النبي (صلى اللّه عليه و سلم) يقول: و المشهور ما حكيناه أولا من أنها توفيت بالأبواء و رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) ابن ست سنين، و بذلك جزم ابن سعد فى الطبقات الكبرى و ابن فارس فى أوجز السّير لخير البشر، و شرف الدين الدمياطى فى المختصر فى سيرة سيد البشر [4].
كما تظهر أمانة القاضى ابن جماعة فى حديثه عن مبعث النبي (صلى اللّه عليه و سلم) و هجرته و حصار قريش له، و حدث الإسراء و المعراج و غزواته، و يتم ذلك كله من خلال وفائه بأمر الاختصار لأحداث السيرة العطرة.
3- استحسان التصرف:
يتمثل هذا الاستحسان على سبيل المثال فى عرضه اختلاف العلماء فى الإسراء و المعراج، ثم يبدأ حديثه بالرأى الّذي استحسنه و الّذي عليه معظم العلماء و الّذي هو الصواب فيقول: و اختلف العلماء فى الإسراء و المعراج، هل كانا فى ليلة واحدة أو لا، و أيهما كان قبل الآخر، و هل كان ذلك كله فى اليقظة أو فى المنام، أو بعضه فى اليقظة، و بعضه فى المنام، و القول انه كان فى المنام ضعيف عند أهل العلم [5].