و لذلك قال صلّى اللّه عليه و آله- يوم عرفات في حجة الوداع- أثناء خطبته تلك العظيمة التي صدع بها، رافعا صوته لتسمعه تلك الأشهاد المجتمعة من أقطار المسلمين:
«أيّها الناس: لا ترجعوا بعدي كفّارا، يضرب بعضكم أعناق بعض، فإنّي تركت فيكم ما أن أخذتم به لن تضلوا، كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي، و إنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض»
ثم قال للناس: «ألا هل بلّغت»؟
فقالوا: نعم، قال: «اللّهم فاشهد» ...
ثم لمّا قفل من حجّة الوداع راجعا الى المدينة بمن كان معه من الحجاج و انتهى في سيره الى حيث تفترق بهم الطرق الى بلادهم، حطّ رحله على غدير في أرض يقال لها «خمّ»، فأرجع إليه من تقدّمه من الحجاج، و ألحق به من تأخر منهم عنه، فلمّا اجتمعوا صلّى بهم الفريضة، ثم خطبهم عن اللّه عز و جل، فصدع بالنص على عليّ باسمه، و على الائمة من بعد عليّ على سبيل الإجمال، فقال رافعا صوته و هو مشرف عليهم و عليّ دونه بمرقاة:
«أيّها الناس، يوشك أن ادعى فأجيب، و إنّي مسئول، و إنّكم مسئولون، فما ذا أنتم قائلون»؟
قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت، و جاهدت، و نصحت، فجزاك اللّه خيرا.
فقال: «أ ليس تشهدون أن لا إله إلّا اللّه، و أنّ محمدا عبده و رسوله، و أنّ جنته حقّ، و أنّ ناره حقّ، و أنّ الموت حقّ، و أنّ البعث حقّ بعد الموت، و أنّ الساعة آتية لا ريب فيها، و أنّ اللّه يبعث من في القبور»؟