و أمّا العقل المحض فلا مدخليّة له في إثبات اللّغات.
و أمّا التبادر و صحّة السّلب و نحوهما، فإنّما هي أدلّة للفرق بين الحقيقة و المجاز، لا لاثبات أصل الوضع.
و لا بأس بتوضيح المقام و إن كان خارجا عمّا نحن فيه، لتنبيه الغافلين.
فنقول: إنّ الوضع لا يثبت إلّا بالنقل عن الواضع لبطلان مذهب عبّاد بن سليمان الصيمري و أصحاب التكسير [1] من أنّ دلالة اللّفظ على المعنى إنّما نشأت من مناسبة ذاتيّة و إلّا لتساوت المعاني بالنّسبة الى اللّفظ فإمّا أن يكون هناك تخصيص و ترجيح في الدّلالة على المعنى أو لا. فعلى الثاني يلزم التخصّص من غير مخصّص، و على الأوّل التخصيص بلا مخصّص و هما محالان.
و الجواب: امّا بأنّ المرجّح هو الإرادة إمّا من اللّه تعالى [2] لو كان هو الواضع كخلق الحوادث في أوقاتها أو من الخلق [3] لو كان هو الواضع كتخصيص الأعلام
[1] في «الفصول» ص 23 سليمان بن عبّاد الصيمري و ليس كما في المتن، نعم في «المحصول للرّازي» ج 1 ص 181 و «أوائل المقالات» للشيخ المفيد و «تمهيد القواعد» للشهيد: عباد بن سليمان كما في المتن. هذا و انّ التكسير أي تكسير الحروف بنفسها أو بأعدادها، و قد يفرّق بين علم التكسير و علم الأعداد و اذا افترقا اجتمعا و اذا اجتمعا افترقا.
[2] اشارة الى ما ذهب اليه أبو الحسن الأشعري من أنّ اللّغات كلها توقيفيّة وضعها اللّه تعالى و وقفنا عليه بالوحي الى الأنبياء (عليهم السلام) أو بخلق أصوات تدلّ عليه، و أسمعها واحدا أو جماعة أو بخلق علم ضروريّ بهما في واحد أو جماعة.
[3] إشارة الى ما ذهب إليه جماعة من أنّها اصطلاحية يعني واضعها البشر واحدا أو-