يمكن ان يقال بالقبول؛ لعدم الفرق بين المقام الحكومة و بين الدليلين، المقتضية لتقدم الدّليل الحاكم على الدّليل المحكوم، لكونه ناظراً اليه و مسوقاً لتحديد مدلوله سعة و ضيقاً، فاللازم في المقام ايضاً القبول بعد كون الإنكار بمنزلة الشرح و التفسير للإقرار، نعم لو كان بينهما مضادة بالكلية لما كان مجال لقبول الإنكار، كما إذا أنكر في المثال كون الدار لزيد و لو ببعض أجزائها، و أمّا مع عدم المضادة بهذه الكيفية، فاللازم القبول.
و لكن التحقيق يقتضي عدم القبول؛ لأنّ مسألة التقنين التي تجري فيها الحكومة و التخصيص و أمثالهما، تغاير المحاورات العادية التي لا ربط لها بمقام وضع القانون، و الأقوى ان التخصيص الذي بلغ من الكثرة إلى حدّ قيل: ما من عامّ الّا و قد خصّ، لا يجري في غير مسألة التقنين بوجه؛ لأنّ الموجبة الكليّة تناقض السالبة الجزئية، و كذا السالبة الكلية تناقض الموجبة الجزئية، كما في المنطق فاذا، قال قائل: ما لقيت من القوم أحداً، ثمّ قال مع الفصل: لقيت من القوم زيداً، فهذه مناقضة غير مقبولة عند العرف و العقلاء، و هذا بخلاف ما إذا قال في مقام التقنين: أكرم القوم، ثمّ قال: لا تكرم من القوم زيداً.
فهذا يدلّنا على بطلان مقايسة مثل المقام بمسألة الحكومة و التخصيص و أمثالهما، الجارية في نطاق وضع القانون و مقام التقنين، و عليه فلا يقبل الإنكار بعد الإقرار، و لو كان بصورة الشرح و التفسير و بعنوان الناظر كما عرفت.