المال يجمعه الناس فيما بينهم ؛ لكي يصرف النظر عن إصراره على أنْ يكون تبليط المسجد مِن تلك الصخرة ويرضى بتبليطه بالطابوق العادي .
جمع الناس المال وأعطوه لمأمور الخليفة ، وبدأوا بتبليط أرض المسجد الجامع وحمل الكاتب الأموال التي جمعها على عدد مِن الإبل واتَّجه إلى بغداد .
في موعد عبور الخليفة أوقف الجمال في طريقه ووقف على رأسها . وعند وصول الخليفة نادى : يا خليفة المسلمين ، لمَن أُسلِّم هذه الأموال ؟
فسأل المُعتصم : أيُّ أموال ؟
فقال : هذا حاصل الوظيفة التي عهدت بها إليَّ ، وهو يبلغ بضعة آلاف درهم فأمر بتسلمها .
سأل الخليفة بعض الحاشية عن الوظيفة التي يتحدَّث عنها الرجل ؟
فقالوا : تبليط أرض المسجد الجامع في البصرة .
فقال المُعتصم : إنَّ مَن يستخرج هذا المبلغ مِن المال مِن مثل هذا العمل لجدير بأعمال كبيرة ! فعيَّنه بمنصب كاتب في الديوان .
على الرغم مِن أنَّ هذا الرجل قد احتال لخُطَّته بذكاء وبتدبَّر النتائج والنظر إلى المُستقبل ، فأثبت جدارته للعمل في حُكم المُعتصم فحَظي بمنصب كاتب في ديوان الخلافة ، فإنَّ الأخلاق الإسلاميَّة ترى في هذا اللون مِن التدبير وتدبُّر العواقب المبنيِّ على الغِشِّ والخيانة عملاً غير مشروع وغير عقلاني ؛ لأنَّ العقل هو حُجَّة الله تعالى ؛ ولذلك فإنَّه لا يُمكن أنْ يقود الإنسان إلى طريق الإثم والفساد [1] .