responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : القصص التربوية المؤلف : الفلسفي، الشيخ محمد تقي    الجزء : 1  صفحة : 388

ابن الهيثم يتفقَّد جوانب النيل وسواحله ، ثمَّ اعترف بعجزه عن بناء السَّدِّ ، واعتذر عن بنائه واعتذر عن الوعد الذي قطعه وعاد مع الآخرين إلى القاهرة .

رأى حاكم مصر أنْ لا يُفلت فرصة وجود هذا العالم الكبير في بلده ، فطلب إليه أنْ يبقى في مصر ؛ ليعمل عنده في ديوان المكاتيب . ولكنَّ ابن الهيثم ـ الذي كان قد عرف طراز تفكير حاكم مصر ونفسيَّته ـ أصابه القلق لهذا الطلب ؛ لأنَّه عرف في هذا الحاكم إنساناً حادَّ الطبع ، سيِّء الأخلاق ، مُتلوِّناً فظَّاً ، يحب إراقة الدماء يغضب لأدنى حدث ، ويُصدر أمره لأتفه سبب بقتل الناس الأبرياء ، فمِن البديهي أنْ تكون الحياة مع مثل هذا الشخص محفوفة بالخطر المُحتَّم ، ولكنَّه لخوفه اضطرَّ إلى إجابة الحاكم إلى ما يُريد ، فاستوطن مصر وعمل في ديوان مكاتيب الحاكم .

مضت فترة على هذا المنوال ، حيث كان ابن الهيثم يحضر في مَقرِّ عمله كلَّ يوم ، ولكنْ لم يُفارقه القلق والخوف ، ولم يغفل عن التفكير في طريقة ينجو بها بنفسه ويتحرَّر مِن هذا الهمِّ الدائم .

وأخيراً واتته الحيلة فتظاهر بالجنون ، وإذ وصل خبر جنونه إلى الحاكم أمر بحَجره في بيته ووضع عليه مَن يُعنى به ، وعهد بأمواله وأثاثه إلى مَن يوثَق بهم ، وظلَّ ابن الهيثم في التظاهر بالجنون إلى أنْ مات الحاكم ، وبعد أيَّام مِن موته استعاد ابن الهيثم عقله ، وترك داره واختار سكناً بالقرب مِن الجامع الأزهر ، واستعاد أمواله وانصرف مُطمئنَّ البال إلى التأليف والتصنيف ، ولمَّا كان ذا خطٍّ جميل فقد انهمك في استنساخ بعض الكُتب العلميَّة يبيعها لإمرار معاشه .

حاكم مصر هذا لم يكن إنساناً مِن عامَّة الناس جاهلاً ، بلْ كان مِن أهل العلم والمعرفة ، مُؤهَّلاً للرئاسة وإدارة البلاد ، ولكنَّه كان يفتقر إلى سلامة التفكير وصلاح الأخلاق ، وكان يستعمل سلطته في أُمور غير مشروعة ، ولهذا عاش الناس تحت حكمه عُرضة للخطر والإحساس بفُقدان الأمن ؛ بحيث إنَّ عالماً مِثل ابن الهيثم اضطرَّ إلى التظاهر بالجنون للمُحافظة على حياته والخلاص مِن شَرِّه [1] .


[1] الأخلاق ، ج2 .

اسم الکتاب : القصص التربوية المؤلف : الفلسفي، الشيخ محمد تقي    الجزء : 1  صفحة : 388
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست