بعد وقعة صِفِّين ، ظهر حزب جديد باسم الخوارج ، ضَمَّ رجالاً جُهلاء بحقيقة الدين والعلم ، قاموا بجرائم عظيمة طوال سنين طويلة . وقامت السُّلطات الزمنيَّة بقمع هذا الحزب ، فأُحضروا إلى مجلس الحَجَّاج ؛ ليُعاقبهم على ذلك ، فعين لكلِّ عقوبته .. وعندما وصل إلى آخر رجل منهم ، رفع المؤذِّن الأذان ، مُعلناً دخول وقت الصلاة ، فقام الحَجَّاج وسلَّم المُتَّهم إلى أحد الحاضرين واسمه عنبسة ، وقال له : خُذه معك إلى البيت ، وأحضره لي غداً حتَّى أُقرِّر عقوبته . فنفَّذ عنبسة الأمر ، وأخرجه معه مِن قصر الإمارة .
في الطريق قال المُتَّهم لعنبسة : هل يُرجى مِنك خير ؟
فقال له عنبسة : ما تُريد ؟ لعلِّي أوفَّق لأعمل لك خيراً .
فقال المُتَّهم : والله ، لستُ خارجيَّاً ولم أشهر سيفي على أحد ، وأنا بريء مِن هذه التُّهمة المنسوبة لي . ورغم أنَّهم قبضوا عليَّ وأنا بريء ، فإنَّ أملي برحمة الله كبير ، وأعلم أنَّ فضله سيشملني ، ولا أُعذَّب مِن دون ذنب ، ولكنْ أرجوك أنْ تسمح لي بالذهاب إلى أهلي هذه الليلة ؛ لأودِّعهم وأوصيهم بوصايا ، وأؤدِّي حقوق الناس وسأحضر إليك غداً صباحاً .
يقول عنبسة : استغربت مِن هذا الطلب ، فلم أجبه ، فكرَّر عليَّ السؤال ، حتَّى أثَّر كلامه في نفسي ، وخطر في بالي أنْ أتوكَّل على الله ، وأنزل عند رغبته ؛ فصمَّمت على ذلك ، وقلت له : اذهب ، ولكنْ يجب أنْ تُعاهدني على الرجوع غداً .
فقال الرجل : عاهدتك على أنْ أحضر غداً صباحاً ، وأُشهِد الله على هذا العهد .
ثمَّ ذهب حتَّى غاب عن عيني ، ولكنْ ما إنْ عُدُّت إلى نفسي ، حتَّى اضطربت اضطراباً شديداً ، وندمت على ما فعلت ، فقد عرَّضت نفسي لغضب الحَجَّاج دون