كان هارون الرشيد يخرج إلى الصيد ، وفي أحد المَرَّات وصل إلى بُستان معمور فسأل : لمَن هذا البُستان ؟
قالوا : هو لرجل مجوسيٍّ .
فقال : أُريد هذا البستان ، ولا بُدَّ مِن شرائه .
فقال الوزير : قد كلَّمناه في هذا الأمر عِدَّة مَرَّات فلم يوافق .
فقال هارون الرشيد : ما العمل حتَّى يصبح هذا البُستان مِن أملاكي ؟
قال الوزير : نقول له : إنَّ الخليفة نزل في بُستانك ، ونسأله لمَن هذا البستان ؟
سوف يقول : إنَّه لحضرة الخليفة هارون الرشيد ، وسوف نعتبر هذه الجُملة مُستمسكاً ونُعطيه المبلغ مع بعض جوائز .
وافق هارون على ذلك ، ثمَّ نزل هارون في ذلك البُستان وبعد فترة جاء المجوسيُّ وأدَّى التحيَّة باحترام . وعندما سأله هارون : لمَن هذا البستان ؟
قال : كان ملك أبي واليوم أصبح ملكي ، ولا أعرف غداً لمَن يكون ؛ فأثَّر كلام المجوسيِّ في نفس هارون الرشيد .
قال : إنَّك حفظت بُستانك بهذا الكلام وقد غلبتنا بالحيلة .
كان المجوسيُّ عارفاً بالآداب والأعراف ، ويعلم أنَّه عندما يسأل هارون لمَن هذا البستان ؟ يجب أنْ يُقال له : إنَّه لخليفة المسلمين . ولكنَّه تغافل عمَّا يعلم وأظهر أنَّه لا علم له بما جرت عليه العادة . وعلى أثر هذا التغافل المؤدَّب ، الذي جاء في محلِّه أمكن حَلُّ المُشكلة ، واستفاد المُتغافل مِن نتيجة تغافله الإيجابيِّ المُفيد [1] .