فصدَّق العراقيُّون مقولة صاحب الشاخص ، وأنَّه قد نصح لهم ، فارتأى القادة ورؤساء القبائل أنْ الصلاح في ترك شريعة الماء لينجوا بأنفسهم مِن خطر مُحتمل . ولم يأت المغرب حتَّى كانت الشريعة قد أُخليت مِن الجند ومِمَّا حولها مِن الخيام والمرابض .
وعند مُنتصف الليل أمر مُعاوية جنوده باحتلال الشريعة ، وأنْ ينصبوا خيامهم بمكان خيام جند الإمام (عليه السلام) . وعند الصُّبح أدرك العراقيُّون أنَّ مُعاوية قد خدعهم ، وخجلوا مِن عدم تصديق الإمام ، وندموا على ما فرط منهم ، وجاء بعض الرؤساء يطلبون العفو مِن الإمام ، ووعدوه ببذل كلِّ ما يستطيعون لجبر هذا الكسر الشائن . وتقدَّم مالك والأشعث يخطبان في الجنود ، الذين كانوا يشعرون بالخجل وبالغضب ، فأثارتهم خُطبهما وأهاجتهم ، حتَّى إنَّهم جرَّدوا سيوفهم مِن أغمادها وتعاهدوا على الموت ، وانحدروا نحو الميدان كالأسود الهائجة ، واشتبكوا مع جُند مُعاوية في حرب ضَروس دمويَّة ، فقُتل عدد مِن الجانبين ، ولم ينقض النهار حتَّى ضعف جنود مُعاوية على المُقاومة وولُّوا الأدبار حتَّى ثلاثة فراسخ ، وانتصر جيش الإمام علي (عليه السلام) ، واستعاد سيطرته على شطِّ الفرات .
وتقدَّم الأشعث إلى الإمام علي (عليه السلام) يُهنِّئه بالانتصار ويستأذنه في منع الماء عن جيش مُعاوية ، فرفض الإمام ذلك وقال : إنَّ الماء يجب أنْ يكون في مُتناول الجميع . ولكيلا يظنَّ مُعاوية أنَّه ممنوع مِن الماء ، لم ينتظر الإمام مجيء وفد مِن مُعاوية ، بلْ بادر بإرسال مبعوث يُخبر مُعاوية بأنَّه لا يُقابل عمله القبيح بمثله ، وله أنْ يستقي لجنوده كالسابق .