كان قيس بن عاصم في الجاهليَّة ، مِن رؤساء القبائل وأشرافها ، أسلم بعد ظهور الإسلام ، سعى في أواخر عمره إلى نيل المغفرة مِن الله تعالى على ما كان قد ارتكب مِن آثام ، فحضر مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وقال :
في الماضي ، دفعت الجاهليَّة الآباء إلى أنْ يدفنوا بأيديهم بناتهم البريئات وهُنَّ أحياء ، وقمتُ أنا نفسي بوأد اثنتي عشرة مِن بناتي ، في فترات مُتقاربة ، أمَّا الثالثة عشرة فقد وضعتها زوجتي في الخفاء وأظهرت لي أنَّ الوليد نزل ميِّتاً ، بينما أرسلت البنت إلى أهلها دون علمي .
مضت السنون حتَّى اتَّفق يوماً أني كنت عائداً مِن رحلة لي ، فوجدت صبيَّة صغيرة في داري وإذا لاحظت شبهها الشديد بأولادي ، راودني الشكُّ فيها .
وأخيراً علمت أنَّها ابنتي فأخذت بيد البنت وهي تصرخ باكية ، وجرجرتها إلى مكانٍ بعيد ، دون أنْ ألتفت إلى توسُّلاتها ، والعهد الذي قطعته على نفسها بأنَّها سوف تعود إلى أخوالها ، ولن تجلس على مائدتي أبداً ، ولكنْ مع ذلك دفنتها حيَّة .
سكت قيس ينتظر جواباً .
كانت الدموع تنهمر مِن عيني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وهو يقول هامساً :
(مَنْ لا يَرحم لا يُرحَم) .
ثمَّ التفت إلى قيس وقال : (ينتظرك يوم سيّئٌ) .
فسأله قيس : ماذا أفعل لأخُفِّف مِن آثامي ؟
قال النبي : (أعتق مِن العبيد بقدر ما قتلت مِن بناتك) [1] .