(... وما أدراك ما الزَّوراء ! أرض ذات أثلٍ ، يشتدُّ فيها البُّنيان ، وتكثر فيها السكَّان ، ويكون فيها مخادم وخزَّان ، يتَّخذها وُلد العباس موطناً ، ولزخُرفهم مسكناً ، تكون لهم دار لهو ولعب ، يكون بها الجور الجائر ، والخوف المُخيف ، والأئمَّة الفَجرة ، والأُمراء الفسقة ، والوزراء الخونة ، تخدمهم أبناء فارس والروم ، لا يأتمرون بمعروف إذا عرفوه ، ولا يتناهون عن مُنكرٍ إذا نكروه ، تكتفي الرّجال منهم بالرجال ، والنّساء بالنّساء ، فعند ذلك الغمِّ العميم ، والبُكاء الطويل ، والويل لأهل الزّوراء مِن سطوات التُّرك ، وهُمْ قومٌ صغار الحدق ، وجوههم كالمَجانِّ المُطوَّقة ، لباسهم الحديد ، جردٌ مُردٌ ، يَقدمهم ملكٌ يأتي مِن حيث بدا مُلكهم ، جهوريٌّ الصَّوت ، قويُّ الصّولة ، عالي الهِمَّة ، لا يمرُّ بمدينةٍ إلاّ فتحها ، ولا تُرفع عليه رايةً إلاّ نكسها ، الويل الويل لمَن ناوأه فلا يزال كذلك حتَّى يظفر) .
بعد أنْ قرأ والد العلاَّمة الحلِّي الخُطبة قال لهولاكو : إنَّ الأوصاف التي ذكرها عليٌّ (عليه السلام) في الخُطبة نراها جميعاً فيك ؛ ولهذا كتبنا الرسالة وسعيت إليك . فتقبَّل هولاكو آراءهم بحسن القَبول ، وكتب له أمراً جعل فيه أهل الحلَّة موضع رعايته .
ولم يمضِ طويل وقت حتَّى فتح هولاكو بغداد وقتل المُستعصم ، آخر خُلفاء بني العبَّاس . وحسبما يقول البستاني في دائرة معارفه : بأنَّه قَتَل في هذا الحدث الدمويِّ أكثر مِن مليوني شخصٍ ، ونُهبت أموال كثيرة ، وأُحرقت دور كثيرة . واتَّضح أخيراً أنَّ عُلماء الحلَّة الثلاثة كانوا قد فهموا خُطبة علي (عليه السلام) على حقيقتها وطبَّقوها على هولاكو وجنوده ، فكان تمييزهم الصحيح وكتابتهم الرسالة في الوقت المُناسب قد أنقذوا أرواح أهل الحلَّة والكوفة والنجف وكربلاء مِن موت مُحقَّق ، فنجوا مِن مذبحة جماعيَّة [1] .