وصادف أنْ ادَّعى عبد الله بن علي الخلافة على ابن أخيه المنصور الدوانيقي ، وخرج لقتاله . فطلب الخليفة المنصور مِن أبي مُسلم الخراساني الخروج إلى البصرة بجيش جرَّار لقتال عَمِّه ، وأخيراً انتصر جيش أبي مسلم على جيش عبد الله بن علي ، الذي لجأ إلى أخويه سليمان وعيسى مُتخفِّياً عندهم . وبعد فترة توجَّه الأخوان إلى المنصور ، وطلبا منه الصَّفح عن أخيهما عبد الله ، فقبل المنصور شفاعتهما ، وقرَّر أنْ يَكتُبا عهد أمان ليوقِّعه المنصور الدوانيقي .
وبعد عودتهما إلى البصرة أوكلا إلى ابن المقفع ، الذي كان يعمل حينها كاتباً لدى عيسى ، كتابة عهد الأمان ، وطلبا منه أنْ يكون الكتاب مِن القوَّة بمكان ، بحيث يسلب الدوانيقي كلَّ قُدرة على إلحاق الأذى بأخيهما عبد الله ، فكتب ابن المقفع عهد الأمان وغالى في تنظيمه ، حيث ذكر فيه أنَّ المنصور الدوانيقي إذا ما مكر بعَمِّه عبد الله بن علي وألحق به الأذى ، فإنَّ أمواله ستوزع على الرعيَّة ، وسيعتق عبيده وجواريه ويُصبِح المسلمون في حِلٍّ مِن بيعته . وعندما دخلا على المنصور وهما يحملان كتاب الأمان ليوقِّعه ، ثارت ثائرته فسأل عن الكاتب ، فقيل له : إنَّه ابن المقفع ، فأمر المنصور بعد أنْ امتنع عن التوقيع ، أمر والي البصرة سِرَّاً بقتل ابن المقفع .
ولمَّا كان سُفيان والي البصرة يحمل ما يحمل في جوفه مِن عِداءٍ لابن المقفع ، الذي طالما مَسَّ كرامته وجرح شعوره ، ويتحيَّن الفرصة للانتقام ، جاءت أوامر الخليفة المنصور بقتل ابن المقفع لتَثْلُج صدر سفيان الذي استغلَّ هذه الفُرصة المُناسبة للانتقام مِن غريمه .
فأمر سفيان بحبس ابن المقفع في حُجرة ، فدخل عليه وقال له : أتذكر ما قتله في شأني وشأن أُمِّي ؟ والله ، إنَّ أُمِّي لمُغتلمة إنْ لم أقتلك قتلة لم ترَ الرعيَّة مِثلها مِن قبل ، فأمر سفيان بإشعال التنُّور ، وجيء بابن المقفع وكان حينها في السادسة والثلاثين مِن العُمر ، فأخذ يقتطَّع مِن جسمه قطعة قطعة ويرميها أمام ناظريه داخل التنُّور ، ومازال كذلك حتَّى قضى بهذه الطريقة المُفجعة [1] .