سأل المأمون العباسي بعض خواصِّه ومَحارمه يوماً ، سبب ما يُلاقيه مِن : جَفاء ، وخيانة ، وقِلَّة إنصاف مِن بعض أصحابه وأقاربه ، الذين كان قد قلَّدهم مناصب عاليةً ، ورُتباً مُهمَّة في الدولة ، في حين أنَّ المفروض أنْ يُقابلوا إحسانه بالإحسان لا الإساءة .
فقال له أحدهم : إنَّ المَعنيِّين بأمر الحَمْام الزاجل ، والمُهتمِّين بتربيته ، يتحقَّقون عن أصله وفَصيله الذي ينتمي إليه ، وعندما يطمئنُّون إلى عَراقة نسبه يهتمُّون بتربيته كثيراً ، ويَجنون مِن ذلك فوائد كثيرة ... وأنت يا أمير المؤمنين ، تأخذ أقواماً مِن غير أُصول ولا تدريج ، فتبلغ بهم الغايات ، فلا يكون منهم ما تؤثِره .
فمِن الطبيعي أنْ لا يكون مَن يتمُّ اختيارهم لأشغال ومناصب ، دون امتحان ولا نظر في أصولهم وأحسابهم وأنسابهم على حالة غير مرضيَّة مِن حيث الإخلاص والأمانة والوفاء ...
إنَّ الإسلام يرى في سُلوك الآباء والأُمَّهات ، تأثيراً كبيراً على سلوك أبنائهم ، الذين يرثون صفاتهم الصالحة أو الطالحة ؛ ولذلك نجد القرآن الكريم يحكي على لسان نوح هذه الحقيقة الناصعة ؛ حيث يقول ـ بعد أنْ يئس مِن هداية قومه ، طِيلة تسعمئة وخمسين عام [1] .