اسم الکتاب : الفن القصي في القرآن الكريم المؤلف : خَلَف الله، محمد الجزء : 1 صفحة : 360
عندها المفسّرون، ثم تعمد في النهاية إلى رد جميع الاعتراضات التي يتقدم بها المستشرقون و المبشّرون، و من لف لفهم أو نحا نحوهم من الزنادقة و الملاحدة، و كل طاعن على النبي، أو في القرآن الكريم.
و تفسير موقف المشركين يقوم على ذلك الأساس الذي قال به الرازي ثم النيسابوري عند تفسير كل منهم للآية الكريمة بَلْ كَذَّبُوا بِمََا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَ لَمََّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ[1] من سورة يونس، و هو الأساس الذي يقول بأن هؤلاء الكفرة قد نظروا من القصة إلى هيكلها، و من الحكاية إلى جسمها، و لم ينظروا منها إلى الجوهر: إلى التوجيهات الدينية و الخلقية و إلى الأسس النفسية و النواميس الاجتماعية. و لو أنهم نظروا هذه النظرة الأخيرة، لما وقفوا عند الأحداث و الأخبار من حيث هي تاريخ، و لما دفعت بهم هذه الوقفة إلى القول بأن القرآن أساطير الأولين، و لما عارضوا القرآن حين عارضوه بالقصص التاريخي، قصص رستم و اسفنديار و ملوك الفرس، و لعرفوا في النهاية أن القصص القرآني لا يقصد إلا إلى التوجيهات الدينية و الخلقية، و إلى تقرير الدعوة الإسلامية، و إقامة هذا التقرير على الأسس النفسية و النواميس الاجتماعية، و عند ذلك كانوا يعترفون حتما بأنه وحي و أنه تنزيل الحكيم الحميد.
و حل مشكلات المفسّرين يقوم على ذلك المذهب الذي لفت الأستاذ الإمام إليه الذهن عند تفسيره لقصص آدم و هاروت و ماروت من سورة البقرة، و هو المذهب الذي يقرر بأن القصص القرآني يصح أن يفهم فهما أدبيا بلاغيا، و أنه لا يجوز أن يفهم فهما تاريخيا، و لقد كان المفسّرون يذهبون هذا المذهب في كثير من المواقف، و كانت المشكلات تحل عندهم في هذا الأساس، و من ذلك تفسيرهم لقصة داود و الملكين من سورة ص، و تفسيرهم لقول اليهود عن عيسى إنه رسول اللّه، و غير هذين مما سبق أن ذكرناه.
أما الرد على الملاحدة و الزنادقة، و على المستشرقين و المبشّرين فيقوم على أساس أن القرآن الكريم كان يقيم بناء القصة على ما يعتقده المخاطب، و على ما تتصوّره الجماعة من