اسم الکتاب : العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين المؤلف : الفاسي، محمد بن أحمد الجزء : 1 صفحة : 89
بسم اللّه الرّحمن الرحيم
ذكر من حج من الخلفاء و الملوك إلى بيت اللّه الحرام
الحمد للّه، و به المستعان، على كل ما عزّ و هان، و صلى اللّه على نبينا محمد خاتم النبين، و على آله و صحبه و التابعين، صلاة باقية إلى يوم الدين.
و بعد، فأسأل اللّه مبتهلا إليه، مادّا يدى له، أن يتبع أيام المقرّ المخدوم [1] بأخواتها الباقيات الصالحات، و الزيادات الغامرات، ليكون كل دهر يستقبله، و أمل يستأنفه، موفيا على المتقدم له، قاصرا عن المتأخر عنه؛ و يؤتيه من العمر أطوله و أبعده، و من العيش أعذبه و أرغده، عزيزا منصورا، محميّا موفورا، باسطا يده فلا يقبضها إلا على نواصى أعداء و حساد، ساميّا طرفه فلا يغضه إلا على لذة غمض و رقاد، مستريحة ركابه فلا يعمل إلا لاستضافة عزّ و ملك، حائزة قداحه فلا يجلها مال حتى ينال أقصى ما تتوجه إليه أمنية جامحة، و تسمو إليه همة طامحة.
و قد استفاض أن العزم الشريف قد قوى على الحجّ، و التحلّى بالعجّ و النجّ، و جرت العادة، بألطاف العبيد للسادة؛ فتأملت حال الأتباع الذين يجب عليهم الهدايا فى مثل هذه الحركة، فأردت التأسى بهم، و رأيتنى إن أهديت نفسى فهى فى ملك المقرّ المخدوم، و إن أهديت مالى فهو منه، و إن أهديت مودّتى و شكرى فهما خالصين له غير مشتركين، و كرهت أن أخلى هذا العزم من سنته فأكون من المقصرّين، أو أدّعى فى ملكى ما يفى بحق المقرّ المخدوم فأكون من الكاذبين؛ قلت:
إن أهد نفسى فهو مالكها* * * و لها أصون كرائم الذّخر
أو أهد مالا فهو واهبه* * * و أنا الحقيق عليه بالشّكر
أو أهد شكرى فهو مرتهن* * * بجميل فعلك آخر الدّهر
و الشّمس تستغنى إذا طلعت* * * أن تستضىء بطلعة البدر
و لما كان العلم أنفس الذخائر و أعلاها قدرا، و أعظم المآثر و أبقاها ذكرا، جمعت برسم الخزانة الشريفة المخدومية- عمّرها اللّه ببقاء مالكها- جزءا يحتوى على ذكر
[1] لم يوضح المقريزى المؤرخ الكبير- صاحب هذا النص- زمن كتابة هذه الرسالة، و لذلك لم يتضح لنا من هو المقصود من حكام مصر بكتابة هذه الرسالة، هدية له.
اسم الکتاب : العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين المؤلف : الفاسي، محمد بن أحمد الجزء : 1 صفحة : 89