و قد يقال: إنّ مقتضى الأصل و إن كان ذلك، إلّا أنّ إطلاق أدلّة وجوب الاجتناب عن المحرّمات مانع عن جريانها في ما فرض الكلام فيه لأنّ مقتضى إطلاق تلك الأدلّة: وجوب الاجتناب حتى في ما يكون خارجا عن الابتلاء، و القدر المتيقّن من الموارد التي خرج عنها موارد علم خروجها عن الابتلاء، و غيرها يكون خروجه مشكوكا، و العمل بالإطلاق حينئذ متعيّن- لما تقرّر في محلّه-: من أنّ الشك في خروج الأفراد إذا كان ناشئا من إجمال المقيّد للإطلاق حكمه، الرجوع إلى الإطلاق و الأمر فيما نحن فيه كذلك، لأنّ الشك في موارد الابتلاء، انّما هو لعدم إمكان ضبط مفهوم المقيّد على وجه لا يخفى شيء من مصاديقه.
و فيه نظر من وجهين: الأوّل: انّ الابتلاء ليس من شرائط ثبوت الحكم في الواقع، حتى يكون إطلاق ما دلّ على ثبوته حجّة في مورد الشك في الابتلاء، بل هو من شرائط تنجّز الخطاب و فعليّة الطلب، و لا ريب أنّ إطلاق الأدلّة إنما يفيد في الشرائط الموجبة لتقييد الحكم واقعا.
و الحاصل: انّ الخمر الذي يبتلي به المكلّف يكون المطلوب عدم شربه واقعا، و لكن توجّه هذا الخطاب إلى المكلّف و تنجّزه في حقّه مشروط بكونه محلّ ابتلائه، فمع الشك في الابتلاء، لا معنى لرفع الشبهة بهذا الخطاب الموجود في حالتي الوجود و العدم، الّا أن يقال: إنّ إطلاق الخطاب و توجيهه إلى المكلّفين- مع عدم صحّة التوجيه إلّا في صورة الابتلاء- كاشف عن وجود شرائط التوجيه.
و فيه و في أصل النظر تأمّل.
الثاني: أنّا لو سلّمنا أنّ الابتلاء من شرائط ثبوت الحكم واقعا- بحيث حكمنا أنّ من خرّج المحرّم عن ابتلائه لا يكون محرّما عليه واقعا- نمنع أنّ الخطاب في مقام البيان- من حيث حالة المكلّفين من الابتلاء و العدم- لأنّ المطلقات الواردة في بيان المحرّمات واردة في مقام بيان المحرّمات و تمييزها عن المباحات، و ليست في مقام بيان من يحرم عليه، و يطلب اجتنابه عنها من هذه الجهة، حتى يكون إطلاق الخطاب في مورد الشك حجّة فتأمّل.