و عليه يعدّ من أهم ما يلزم كمقدّمة لعلم الفقه علم اصوله؛ فإنّه يرشدنا إلى الطريق الصحيح، و السبيل الأمثل لتحصيل الأحكام الشرعيّة من أدلّتها التفصيليّة.
و بعبارة أوضح؛ إنّنا لو لم نوفّق في الرجوع إلى المنابع الأوّلية في الأحكام الإلهيّة إلى قاعدة محكمة و نظام دقيق يقرّره العقل السليم و الشرع الأنور، لأمكن بواسطة الاستحسانات و الأذواق المختلفة أن تنتهي سلسلة استنتاجاتنا و استحساناتنا- بل و حتّى استنباطاتنا- إلى طرق ملتوية بعيدة كلّ البعد عن نظر الشرع الأطهر، بل عن العقل السليم.
و من هنا تظهر ضرورة تدوين قواعد كلّية باسم: اصول الفقه؛ كي تعطينا الطريق الصحيح للرجوع إلى المنابع الأصليّة، و تعلّمنا كيفيّة سلوك الجادّة المستقيمة في استنباطات الأحكام الشرعيّة.
مبدأ ظهور علم الاصول
على ضوء ما ذكرنا سلفا، يعلم أنّ علم الاصول من مبدعات الخلّاقيّة العالية لأفكار المسلمين، الّتي طوّرت و هذّبت على ضوء مبادئ الدين الحنيف، و نمت و أينعت في ظلاله، و الّتي أوجدتها الحقبة الزمنيّة، مع بعدها عن عصر الرسالة، و تنحّيها عن منبع الوحي و رويّ الرسالة العذب، فظهرت بمرور هذه المدّة ضرورة علم الاصول، و تجلّى مقدار الحاجة له.
و من المعلوم أنّ الّذين حظوا بإدراك عصر النبوّة و تلقّي الأحكام من لسان الوحي، و الارتواء من ذلك المعين العذب لم يكونوا مضطرّين لطيّ أمثال هذه الطرق الصعبة و الملتوية. نعم، إنّ شيعة آل محمّد (صلّى اللّه عليه و آله )- مع وجود الإمام