بالّذين يظهرون الإيمان، و لا يجرأون على التّفوه بكلمة الحقّ طمعا في حطام زائل، أو خوفا على منصب لا يدوم، و من أجله يؤثرون أهواء أهل الدّنيا على إرادة اللّه و الرّسول. قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): «أغلب النّاس من غلب هواه بعلمه» [1]. و قال: علامة الإيمان أن تؤثر الصّدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك. لا يؤنسنّك إلّا الحقّ. و لا يوحشنّك إلّا الباطل» [2].
و ما نقله ابن أبي الحديد عن الرّجل الّذي يشهد يوم الطّفّ يدل دلالة صريحة واضحة على صدق ما روي عن شجاعة أبطال الطّفّ، و أنّ الواحد منهم كان يقتل جمعا كثيرا من أصحاب ابن سعد قبل أن يقتل، و أنّهم كانوا على قتلهم لا يحملون على جانب من جيش الكوفة إلّا كشفوه، فلقد أرسل عروة بن قيس إلى ابن سعد، و كان قائده على الخيّالة، أرسل إليه يقول: ألا ترى ما تلقى خيلي منذ اليوم من هذه القلّة اليسيرة؟! فأمده بخمسمئة من الرّماة، فأقبلوا حتّى دنوا من أصحاب الحسين، و رشقوهم بالنّبل، فلم يلبثوا حتّى عقروا خيولهم، و صاروا رجّاله كلّهم، و كان الباقون من أصحاب الحسين إثنين و ثلاثين رجلا، فأجمع عليهم عسكر ابن سعد، و هم ألوف، و اشتبكوا معهم في أشد قتال، حتّى انتصف النّهار، و قد قتل أصحاب الحسين من أهل الكوفة المئات.
فقد رماهم أبو الشّعثاء الكندي، و هو جاث بين يدي الحسين بمئة سهم لم يكد يخيب منها خمسة أسهم [3]. و كان نافع البجلي يكتب اسمه على نبله،
[1] انظر، غرر الحكم: 3181، عيون الحكم و المواعظ: 116.