لكن قد عرفت عدم دلالة الأخبار، و مع تسليم ظهورها فهو أيضا من باب تعارض النقل الظني مع العقل القطعي 1، و لذلك لا فائدة مهمة في هذه المسألة، إذ بعد ما قطع العقل بحكم و قطع بعدم رضا اللّه جل ذكره بمخالفته، فلا يعقل ترك العمل بذلك ما دام هذا القطع باقيا، فكل ما دل على خلاف ذلك فمؤول أو مطروح.
[عدم جواز الركون إلى العقل فيما يتعلق بمناطات الأحكام]
نعم، الإنصاف أن الركون إلى العقل فيما يتعلق بإدراك مناطات الأحكام لينتقل منها إلى إدراك نفس الأحكام، موجب للوقوع في الخطأ كثيرا في نفس الأمر، و إن لم يحتمل ذلك عند المدرك، كما يدل عليه الأخبار الكثيرة الواردة بمضمون: «أن دين اللّه لا يصاب بالعقول»، «و أنه لا شيء أبعد عن دين اللّه من عقول الناس».
و أوضح من ذلك كله: رواية أبان بن تغلب عن الصادق (عليه السلام): «قال:
قلت له: رجل قطع إصبعا من أصابع المرأة، كم فيها من الدية؟ قال: عشر من الإبل. قال: قلت: قطع إصبعين؟ قال (عليه السلام): عشرون. قلت: قطع ثلاثا؟
قال: ثلاثون. قلت: قطع أربعا؟ قال: عشرون. قلت: سبحان اللّه! يقطع ثلاثا فيكون عليه ثلاثون، و يقطع أربعا فيكون عليه عشرون؟! كان يبلغنا
(1) لكن إدراك العقل للحكم إنما يقتضي القطع بلزوم امتثاله إذا لم يحتمل دخل تبليغ الحجة في ذلك، و إلا كان الحكم إنشائيا لا فعليا، فلا يجب امتثاله.
فالنصوص المذكورة واردة على حكم العقل رافعة لموضوعه، لا معارضة له.