اسم الکتاب : الإمام الصادق و المذاهب الأربعة المؤلف : الشيخ أسد حيدر الجزء : 3 صفحة : 69
جوادا، فكان يعطي من يستحق العطاء، و كان يأمر بعض اتباعه أن يمنع الخصومات بين الناس بتحمل ما يكون فيها من الخسائر.
و كان رضي اللّه عنه يقول: لا يتم المعروف إلا بثلاثة: بتعجيله و تصغيره و ستره. و لهذا كان يسر العطاء في أكثر الأحيان، و كان يفعل ما كان يفعله جده علي زين العابدين، فكان إذا جاء الغلس يحمل جرابا فيه خبز و لحم و دراهم، فيحمله على عاتقه، ثم يذهب إلى ذوي الحاجة من أهل المدينة و يعطيهم، و هم لا يعلمون من المعطي حتى مات، و تكشف ما كان مستورا، و ظهرت الحاجة فيمن كان يعطيهم، و جاء في حلية الأولياء: و كان جعفر بن محمد يعطي حتى لا يبقي لعياله شيئا.
و إن السخاء بالمال يدل على مقدار قوة الإحساس الاجتماعي، و إن ستره يدل على مقدار قوة الوجدان الديني، و ملاحظته جانب اللّه وحده و ليس ذلك بعجب ممن نشأ مثل نشأة الإمام الصادق.
حلمه و سماحه:
و في صفحة 81 قال:
و لقد كان رضي اللّه عنه سمحا كريما لا يقابل الإساءة بمثلها، بل يقابلها بالتي هي أحسن، عملا بقوله تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت: 34].
و كان يقول: إذا بلغك عن أخيك شيء يسوؤك فلا تغتم، فإن كنت كما يقول القائل كانت عقوبة قد عجلت، و إن كنت على غير ما يقول كانت حسنة لم تعملها.
و كان رقيقا مع كل من يعامله، من عشراء و خدم، و يروى في ذلك أنه بعث غلاما له في حاجة فأبطأ فخرج يبحث عنه، فوجده نائما فجلس عند رأسه، و أخذ يروح له حتى انتبه، فقال: ما ذلك لك تنام الليل و النهار، لك الليل و لنا النهار.
على أن التسامح و الرفق ليبلغ به أن يدعو اللّه بأن يغفر الإساءة لمن يسيء إليه، و يروى في ذلك أنه كان إذا بلغه شتم له في غيبة يقوم و يتهيأ للصلاة، و يصلي طويلا، ثم يدعو ربه ألا يؤاخذ الجاني، لأن الحق حقه و قد وهبه للجاني، غافرا له ظلمه، و كان يعتبر من ينتقم من عدوه و هو قادر على الانتقام ذليلا، و إذا كان في العفو ذل فهو الذل في المظهر لا في الحقيقة، بل إنه لا ذل فيه، و الانتقام إذا صدر عن القوي إذ
اسم الکتاب : الإمام الصادق و المذاهب الأربعة المؤلف : الشيخ أسد حيدر الجزء : 3 صفحة : 69