اسم الکتاب : الإمام الصادق و المذاهب الأربعة المؤلف : الشيخ أسد حيدر الجزء : 1 صفحة : 507
الإمام مالك بن أنس
تمهيد:
تقدمت الإشارة في الجزء الأول لمعركة أهل الحديث و أهل الرأي و ما أحدثه ذلك النزاع في صفوف الأمة من تصدع و خلافات أدت إلى الهجاء و القول بما لا تحمد عقباه، و كان من نتائجه أن تظهر شخصية مالك في الحجاز و شخصية أبي حنيفة في العراق، كما أنه لم تخف أغراض السياسة من وراء انتصارها لأهل الرأي و سخطها على أهل الحديث.
و قد افترق المسلمون إلى فرقتين: أهل الحديث و أهل الرأي، و زعيم الفرقة الأولى مالك، و الثاني أبو حنيفة، و اتسع بينهما الخلاف حتى أدى إلى الخروج عن حدود العلم، و تجاوزها إلى الهجاء و القذف و السباب، و لكن تلك المعركة لم تطل أيامها، فقد رأينا بعد قليل التقاء أطراف ذلك الافتراق، و اجتماع أهل الحديث و أهل الرأي، و كأن القضية كانت لتحقيق أمر و قد حصل ذلك.
و كان مالك بن أنس عرضة لسخط الدولة، حتى منعوه من الحديث، و ضربوه بالسياط لأجل فتوى أفتاها لم توافق غرض الدولة، و لكنه بعد قليل من الزمن أصبح مقدما في الدولة ملحوظا بالعناية، محفوفا بالكرامة، و كانت بابه تزدحم عليها الناس كأنها باب الأمير، بل كان الأمراء يتهيبون شخصه، و تقصر خطاهم عن الوصول إليه فشملته مظاهرهم.
و هذا التحول الغريب يحملنا على التساؤل: هل أن الدولة كانت تبغضه لشيء فتركه تقية أو تبدل رأيه عن ذلك؟ أم أنه ثبت على ما يراه و تحملت الدولة له ذلك، و وجدت نفسها مضطرة إلى مجاراته؟ أم أن هناك شيء آخر؟
اسم الکتاب : الإمام الصادق و المذاهب الأربعة المؤلف : الشيخ أسد حيدر الجزء : 1 صفحة : 507