اسم الکتاب : الإمام الصادق و المذاهب الأربعة المؤلف : الشيخ أسد حيدر الجزء : 1 صفحة : 339
و كان أبو حنيفة من جملة الفقهاء المنتصرين لمحمد و إبراهيم كمالك بن أنس و الأعمش و مسعر بن كدام و عبادة بن العوام و عمران بن داود القطان و شعبة بن الحجاج و غيرهم، و كان بعضهم حضر حربه [1] و كانوا يعدون شهداء وقعته كشهداء بدر و يسمونها بدر الصغرى، و قد رأينا المنصور يغض عن مؤاخذة أولئك الفقهاء لأنه بحاجة ماسة لبقائهم و المعاونة معهم، و بذلك يقصد إيجاد مجموعة منهم لتخفيف خطر انتشار ذكر جعفر بن محمد في الأقطار فقد كان هو الشجى المعترض في حلقه.
و من الحق و الإنصاف أن نقول: إن موقف أبي حنيفة ليس كموقف مالك بن أنس، فإن مالكا لما عوقب لأجل فتواه بالخروج مع محمد أخلص بعد ذلك للمنصور، و تغير موقفه حتى كان يظهر أن لا فضل لعلي (عليه السلام) على غيره من الصحابة، بل هو كسائر الناس أما أبو حنيفة فلم يتغير موقفه، و كان يفضل عليا (عليه السلام) إما على عثمان فقط أو على جميع الصحابة، كما لم تتغير وجهة نظره في الدولة و إنها ظالمة لا تصح مؤازرتها.
و الحاصل أن غضب المنصور على أبي حنيفة قد اختلفت الأقوال فيه، و مهما تعددت الأسباب فيه فالمرجع كله يعود إلى مخالفة أبي حنيفة لرأي السلطة التي تريد تجريد العلماء من مواهب الإدراك و التفكير، و منعهم من حرية الرأي و الصراحة بالحق، و على كل فقد مضى أبو حنيفة ضحية فتك المنصور و سطوته.
و لا بد لنا قبل نهاية البحث أن نشير إلى اتصال أبي حنيفة برجال مدرسة الشيعة و روايته عنهم و سماعه منهم.
ربما يظن أن أبا حنيفة لم يرو عن رجال الشيعة، و لم يكونوا من شيوخه، و ذلك
[1] كان خروج محمد بن عبد اللّه النفس الزكية في المدينة سنة 144 ه- و بايعه أهل الحجاز، قال ابن العماد: و أحبه الناس حبا عظيما لما كان فيه من الكمال و خصال الفضل، و يشبه النبي في الخلق و الخلق، و اسمه و اسم أبيه. و بايعه المنصور و السفاح، و كانا من دعاته أيام بني أمية، و قتل في المدينة قتله المنصور الدوانيقي، و خرج أخوه إبراهيم في العراق بعد قتله، و كاد أن يظفر بالمنصور لكثرة جيشه و محبة الناس له و تأييد الفقهاء لنهضته، و دعوه لدخول الكوفة ليلا فقال أخاف أن يستباح الصغير و الكبير. و إن حادثة إبراهيم و محمد لمن أهم الحوادث التاريخية و لم تنل نصيبها من التحقيق و البحث.
اسم الکتاب : الإمام الصادق و المذاهب الأربعة المؤلف : الشيخ أسد حيدر الجزء : 1 صفحة : 339