اسم الکتاب : الإمام الصادق و المذاهب الأربعة المؤلف : الشيخ أسد حيدر الجزء : 1 صفحة : 210
و التزاحم بالمناكب على القضاء هو أقوى عامل لإثارة تلك الفتن و بث روح الشغب و الفرقة، و تغليب مذهب على مذهب بقوة السلطة القائمة و نشر القضاة المناصرين لمذهب على مذهب.
و كان القضاة في أغلب الأوقات يثيرون الفتن و يوقدون نار الحرب بين الطوائف. فأحمد بن صاعد الحنفي رئيس نيسابور و قاضيها و كان يلقب بشيخ الإسلام قد بالغ في تعصبه على بقية المذاهب فأغرى بعضهم ببعض حتى لعنت الخطباء أكثر الطوائف على المنابر [1].
و أراد القاضي بكار أن يعمل في جامع بني أمية إماما حنفيا، و كان لا يؤم فيه إلا شافعي، و لا صعد منبره غير شافعي فأراد هذا القاضي أن يشاركهم بإمام على مذهبه فثارت الشافعية و أغلقوا الجامع و عزل القاضي. [2]
و لعل من أعظم تلك الفتن التي وقعت بين المذاهب هي فتنة ابن القشيري عند ما ورد بغداد سنة 469 ه- و جلس في النظامية و أخذ يذم الحنابلة و ينسبهم إلى التجسيم، و كتب إلى الوزير يشكو الحنابلة و يسأله المعونة، و هجم أصحاب القشيري على زعيم الحنابلة عبد الخالق بن عيسى، و وقع قتال بين الطرفين و أغلق اتباع ابن القشيري و هم الشافعية أبواب سوق مدرسة النظام، و غضب أبو إسحاق الشيرازي و كاتب فقهاء الشافعية نظام الملك غضبا لتسلط الحنابلة، و اتسعت الفتنة و فكر الخليفة في حل هذه المشكلة و اهتدى إلى سعيه في الصلح، فجمع القشيري و أصحابه و أبا جعفر الشريف زعيم الحنابلة و أصحابه بمحضر الوزير، فقام القشيري رئيس الشافعية و التفت إلى الوزير عند ما طلب منه الصلح و قال: أي صلح يكون بيننا؟ إنما يكون الصلح بين مختصمين على ولاية أو دينا أو تنازع في ملك. فأما هؤلاء القوم فإنهم يزعمون أنا كفار، و نحن نزعم أن من لا يعتقد ما نعتقده كان كافرا، فأي صلح يكون بيننا [3]؟
و قد واجه كثير من العلماء الأذى و تحملوا بلاء عظيما عند ما يتحولون من