و بالجملة؛ فلا مندوحة في البين دائما، فمثل هذين الدليلين يعامل معهما معاملة التعارض، و ذلك لأنّه لمّا كان التزاحم بينهما دائميّا بحيث إنّ المكلّف أبدا لا يقدر إلّا على امتثال أحدهما، فإنشاء كليهما و تشريعهما يكون لغوا، بل لا بدّ و أن ينشأ أحدهما، فلذلك يتزاحمان واقعا، فبالالتزام يكون بينهما التعارض و يرفع كلّ [منهما] موضوع الآخر، فلا بدّ من إجراء المرجّحات الدلاليّة في كلّ [واحد من] المزاحمين اللّذين لم يكن تزاحمهما اتّفاقيّا.
الثانية: إذا كان فقد المندوحة اتّفاقيا قهريّا أي لا بسوء الاختيار كالمتوسّط في الأرض الغصبي، بأن كان محبوسا فيه أو اتّفق وقوعه فيه، فضاق الوقت و اضطرّ إلى أن يصلّي فيها، فيكون من باب دوران الأمر بين ترك المقيّد أو القيد، بأن يترك أصل الصلاة أو اعتبار حليّة مكانها.
و قبل بيان الحكم تنبغي الإشارة إلى أقسام الأدلّة الّتي يستفاد منها القيديّة.
الأوّل: ما يكون بلسان الإرشاد؛ كالأوامر و النواهي الإرشاديّة الواردة في المركّبات، كالنهي عن لبس [أجزاء] غير المأكول في الصلاة، حيث إنّها مسوقة لتقيّد الصلاة و بيان مانعيّة غير المأكول لها.
الثاني: ما تكون القيديّة مستفادة من النهي النفسي كالنهي عن لبس الحرير و الذهب في الصلاة، بناء على أن تكون استفادة مانعيّتهما كذلك.
الثالث: ما لو كانت المانعيّة ناشئة من جهة التزاحم أو التعارض، بأن يكون النهي متعلّقا بأمر أجنبيّ عن الصلاة، و لكن اتّفق تزاحمهما، كما في مثل الغصب و الصلاة، بناء على الجواز، حيث إنّه قد تقدّم أنّ الإطلاقين حينئذ يتزاحمان فتقيّد الصلاة بعدم اجتماعها مع الغصب؛ لإخلاله بقصد القربة المعتبرة