قوى الإنتاج هي التي أزاحت الستار عن هذا السرّ . وإلاّ فلماذا لم يدركه سوى نفرٌ خاص من العدد الكبير من العلماء الذريّين الذين كانوا يمارسون التجارب الذرية ؟! فإنّ هذا يوضح أن الاكتشاف مدين ـ بصورة خاصة ـ للتركيب العضوي الخاص وشروطه الذهنية ، ولو لم تتهيّأ هذا الشروط في شخصٍ أو أشخاص معدودين من علماء الروس ، ولم يوحد النبوغ العلمي الخاص المرتهن بذلك التركيب وتلك الشروط ، لمنيت الاشتراكية بالدمار والهزيمة الكبرى ، وبالرغم من قوانين المادّية التأريخية كلّها . وإذا كان من الممكن أن توجد لحظات في حياة الإنسان تقرّر مصير التأريخ أو نوعية الأحداث الاجتماعية ، فكيف يمكن أن تكون قوانين الوسائل المنتجة هي القوانين الحتمية للتأريخ ؟!
5 ـ الذوق الفني والماركسية :
والذوق الفني في الإنسان ـ بوصفه ظاهرة اجتماعية اشتركت فيها كلّ المجتمعات على اختلافها في النظم والعلاقات ووسائل الإنتاج ـ لون آخر من الحقائق الاجتماعية التي تضيق بها المادّية التأريخية كما سنرى . والحديث عن الذوق الفني له جوانب عديدة ، فالرسّام حين يبدع صورة رائعة لزعيم سياسي أو لمعركة حربية قد نسأل مرّةً عن : الطريقة التي اتبعها هذا الفنان في إبداع الصورة ، ونوعية الأدوات التي استعملها ، وقد نسأل مرّةً أخرى عن : الهدف الذي كان يرمي إليه من وراء هذه الصورة ، وقد نسأل ثالثةً : لماذا نعجب بها ونمتلئ أحساساً بروعتها والتذاذاً بمنظرها ؟
ويمكن للماركسية التي تجيب على السؤال الأوّل قائلة : إنّ الطريقة التي اتبعها الرسام خلال العملية هي الطريقة التي تفرضها درجة التطوّر في الأدوات